الرئيسية ثقافة وفنون بورتريه: بديعة الراضي… حين تكتب امرأة بجسد الحقيقة وروح الوطن

بورتريه: بديعة الراضي… حين تكتب امرأة بجسد الحقيقة وروح الوطن

IMG 20251121 WA0110
كتبه كتب في 21 نوفمبر، 2025 - 8:43 مساءً

صوت العدالة _ الرباط

في المشهد الثقافي المغربي، تلمع أسماء كثيرة، لكن قلة منها تحمل ذلك اللمعان الذي يختلط فيه الحبر بالمعنى، والكتابة بالالتزام، والذات بالوطن. من بين هذه الأسماء تقف بديعة الراضي، امرأة أتت من عمق الصحافة، لكنها لم تقف عند حدود الخبر، بل حوّلته إلى حكاية، ثم إلى خطاب، ثم إلى أدب يصوغ ذاكرة ويستفز واقعًا، ويعيد تشكيل الأسئلة قبل الإجابات.

الصحافية التي تجعل الكلمة موقفًا

بدأت بديعة الراضي مسارها من الصحافة، من الميدان، من الاحتكاك المباشر بالناس وقضاياهم. لم تكن صحفية تسعى إلى سبق إعلامي، بل كانت – وما تزال – تحمل شغفًا أساسيًا: أن تفهم الإنسان ثم تنقل نبضه بلا أقنعة.
من هنا، لم يكن غريبًا أن تصبح من أبرز الوجوه الإعلامية المغربية، وأن تتولى مسؤوليات في النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وتساهم في تكوين أجيال من الإعلاميين.

لكن ما يجعلها مختلفة هو أنها لم تكن “تسجل” فقط… كانت تشهد. وهذا ما يفسر انتقالها الطبيعي نحو الأدب.

الروائية… حين يتحول الوجع إلى سرد
دخلت بديعة الراضي عالم الرواية وهي تحمل رصيدًا إنسانيًا كبيرًا، وعينًا متعودة على التقاط التفاصيل الصغيرة التي تحكي عن أمم بأكملها.
في رواياتها – وأكثرها شهرة «بيني وبين إستير» – تفتح الراضي بابًا على أسئلة الهوية، والذاكرة، والصراع، والتعايش، وعلى تلك المسافة المعقدة بين الإنسان وقناعاته، بين ماضيه ومصيره.
أسلوبها الروائي يتميز بـ:

لغة ناعمة لكنها حادة في العمق

سرد يتكئ على الرمزية دون أن يغرق فيها

هواجس إنسانية تتجاوز الانتماءات الضيقة
شخصيات تتحرك بقلق وجودي، كما لو أنها تبحث عن معنى أكبر من نفسها

وربما لهذا السبب لفتت انتباه النقاد، خصوصًا سعيد فرحاوي الذي رأى في كتاباتها إمكانًا سرديًا يستحق التفكيك، معتبرًا أن نصوصها تخفي “خطابًا عميقًا” يتجاوز الحكاية المباشرة.

الكاتبة المسرحية… حين تمنح الظل صوته

في تجربتها المسرحية، تذهب الراضي نحو منطقة أخرى من التعبير:
منطقة الجسد، الحركة، الصوت، وتفاعل الكلمة مع الفضاء.

مسرحياتها لا تعتمد على الخطابة، بل على المعنى المصفّى الذي يأتي بعد غربلة طويلة.
غالبًا ما تكتب عن:

السلطة

المرأة

الذاكرة الجمعية

هشاشة الإنسان في مواجهة الواقع

الحلم باعتباره قوة مقاومة
وقد أثارت نصوصها المسرحية اهتمام نقاد مثل أسليم وبريرش خلال لقاءات تكريمية، حيث اعتُبرت الراضي واحدة من الأسماء النسائية التي أعادت تعريف المسرح كمساحة للبوح والصراع والاحتجاج الهادئ.

المرأة… حين تكون الثقافة التزامًا

لا يمكن الحديث عن بديعة الراضي دون الحديث عن حضورها الإنساني.
هي امرأة تجمع بين:

قوة الموقف

رهافة الحس

شجاعة التعبير

قدرة نادرة على تحويل التجربة الشخصية إلى قضية عامة

تكتب بجرأة دون ضجيج، لأن قناعتها أن المعنى العميق لا يحتاج إلى صراخ.
وتقف دائمًا في صف الثقافة كقيمة وطنية، حارسةً ما تسميه “الذاكرة المغربية الجميلة”، ومؤمنة بأن الأدب ليس رفاهية، بل ضرورة.
بديعة الراضي هي امرأة تكتب كما لو أنها تجبر العالم على النظر في مرآته، وتمنح القارئ شجاعة مواجهة ذاته.

مشاركة