الرئيسية آراء وأقلام الهيدورة حين يصبح الثرات قمامة !

الهيدورة حين يصبح الثرات قمامة !

20180827 112928
كتبه كتب في 27 أغسطس، 2018 - 11:30 صباحًا

 

بقلم :ذ العياشي الفرفار

 

 

عيد الاضحى هو مناسبة دينية لتذكير المؤمننين ان جوهر الفعل الديني قائم على التضحية بالنفس من اجل المعبود انه تضحية بالجسد من اجل الله .
غير ان عيد الاضحى كفعل تقافي فقد اكتسب معاني و سلوكات وقيم تقافية متعددة مستمدة من النسق القيمي و الاجتماعي العام للمجتمع المغربي بكل تنوعاته و خصوصياته .
عيد الاضحى لم يبق فعلا دينيا فقط بل اصبح فعلا تقافيا وهو ما يفتح الباب لقراءة خصوصية هذا الفعل ومميزاته .
الفهم الشعبي او الثقافة الشعبية تعتبر انه العيد الكبير دلالة الاسم مشتقة من المقارنة مع عيد الفطر // عيد الفطر .
فتسمية عيد الاضحى بالعيد الكبير دلالة على رمزية الحدث و قيميته الاجتماعية اولا قبل قيمته الدينية و التي تعتبر ان مدة عيد الاضحى اربعة ايام عكس مترة عيد الفطر و التي تتحدد في يوم واحد . ربما من الاخطاء التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي للمغرب هو نفي محمد الخامس خلال فترة عيد الاضحى و حرمان المغاربة من فرحتهم الكبرى , الامر كان سببا اساسيا في اشتعال الغضب الشعبي وهو ما اعترفت به القيادة الفرنسية بعد ذلك ؟؟؟
عيد الاضحى هو حدث تقافي و اجتماعي كثيف يمنح فرصة مهمة للبحث السوسيولوجي للكشف عن الشفرة الثقافية السائدة . فهو يشكل مناسبة سنوية للعودة الى الاصول بكل المدن تنشط حركة السفر وفي اتجاه واحد : من مقر العمل او الاقامة الى مسقط الراس من اجل الاجتماع مع العائلة و الاسرة و القبيلة فالحدث يشكل مناسبة لتجمع العائلة و فرصة للرجوع الى الاصل الاجتماعي .
مدينة البيضاء تصاب بحالة توقف شبه نهائي بخصوص المحلات التجارية الصغرى نتيجة ان اغلب التجار يسافرون من اجل العيد وهو مؤشر دال على اهمية القيم التقافية و تاثيرها على السلوك الاقتصادي و الاجتماعي للمواطن .
بكل المدن و الاحياء و القرى و المداشر يحضر ابن البلد و يسافر المقيم انه فرصة للعودة للاصل فهو محطة اساسية التي تكشف ابن البلد عن البراني في مدلولها السوسيولوجي و ليس في بعدها القدحي و الشوفيني طبعا .
عيد الاضحى او العيد الكبير هو الحدث الاكثر كثافة والحامل لاغلب القيم الاجتماعية و الثقافية و المرتبطة بشروط الاضحية و مواصفاتها و كيفية دبحها و اجتماع العائلة و تقسيم الوقت ونوع اللباس و كل الطقوس المرتبطة بالحدث و التي تشكل نمطا تقافيا خاصا .
• الاجتماع بالدار الكبيرة و الاكل الجماعي
• افضلية الكبش على الخروفة
• نوع الاضحية يعكس المكانة الاجتماعية
• الاسر الغنية قد تفضل عجل
• قبل الدبح تنم في طقوس احتفالية حيت الام تقوم بوضع الكحل في عيني الخروف
• ثم وضع الحناء في فمه
• الحرص على تنقية الخروف لانه هدية الى الله في المفهوم الديني الشعبي
• تقبيل الخروف و التسمية و ذكر اسم رب المنزل
• الاب هو من يتكفل بالذبح
• اخذ جزء من الدم و تقوم الام بغمس اصبعها و وضع نقطة دم على جبهة كا افراد الاسرة اعتقادا منها لضدوام المحبة
• الاحتفاظ بقرون الذبيحة لان وسيلة لطرد الارواح الشريرة و الحسد
• الاحتفاض بديل الذبيحة من اجل شوائه في مناسبة عاشوراء
• الحرص على عدم تمزيق البطانة
• الاحتفاض ببعض من دم الذبيحة في مغرف
• الاحتفاظ بجزء من المعي الغليض و العمل على تيبيسه
• تقسيم المهام على اساس جنسي , الرجال يقومن بكل ما يتعلق بالدبح و النساء واعداد وجبة الغذاء والمتمثلة في بولفاف
• تقسيم الذبيحة من خلال اعداد القديد و القرداس و القرذة .
• الحرص على عدم ضياع اي جزء من الدبيحة .

غير ان هذه القيم بدات في التلاشي و الاختفاء نتيجة زحف قيم العولمة الجديدة
مكن مؤشرات هدا التحول ما يمكن تسميته بوضعية الهيدورة و ما لحقها من تحولات متسارعة ؟
و انت تتجول بشوارع المدينة ملاحظة اساسية تستوقفك هي اكوام جلود الذبائح مرمية مع الازبال في انتظار التخلص منها .
البعض فضل ان تصبح الجلود وسيلة احتجاج الى ادارة الماء نتيجة غياب الماء يوم العيد وهو مؤشر دال على عمق التحولات . ان تصبح الجلود جزء من القمامة فالامر يعكس تحولا تقافيا حادا في النسق القيمي و الثقافي
قديما , كانت المراة تعمل على تنظيف الجلود و تنقيتها من اجل تحويلها الى هيدورات جملية كوسبيلة للفراش و الزينة و اداة للصلاة فوقها و تفريشها للضيوف الكبار احتفاء بهم ,
فالهيدورة كانت مراة تعكس المستوى الاجتماعي للعائلة و قيمتها من جهة حيت الهيدورة الكبيرة تعني ان الخروف كان كبيرا يناسب قيمة الاسرة الاجتماعية , و من جهة اخرى فالهيدورة تعكس قيمة و مهارة المراة لان تحويل البطانة الى هيدورة يحتاج الى نسق مهاري دقيق من طرف الام او الزوجة .
عدم الحاجة الى الجلود و التي كانت تعتبر وسيلة تضامن و توفير بعض الاموال للمساجد و العمل الى رميها في القمامات هو تحول يكشف طبيعة التحولات المتسارعة بالمجتمع .
فالامر لا يعني حدثا بسيطا وانما هو تحول كبير في النسق القيمي لا تتحدد قيمته فقط في اعتبار الجلود مجرد قمامات واوساخ يجب التخلص منها و انما الامر يتعلق بطبيعة الدور الذي اصبحت تلعبه المراة .
انه تغير في طبيعة ادوار المرـأة ، والتي حصرت سابقا في دور إعادة الإنتاج من خلال اعادة الإنتاج البيولوجي والثقافي أي الانجاب بما يضمن الحفاظ على السلالة و استمرارية العائلة و ضمان استمرارية القيم انتاج الهيدورة نموذجا .
و ما يؤكد هذا الطرح ان المراة العاقر سرعان ما يتم تطليقها لان لا تستطيع تحقيق المهمة المثالية بالاوساط الاجتماعية المحافظة ولاسيما بالعالم القروي ،فالمراة العاقر هي كائن بلا قيمة و بلافائدة .لانها لا تستطيع تحقيق الوظيفة الاساسية هي اعادة الانتاج البيولوجي و الثقافي .
يبدو ان المرأة أصبحت جزءا من واقع جديد يتم بنائه ، وهو بناء اجتماعي يتشكل بقيم جديدة، و معايير جديدة وشبكة علاقات مغايرة للنمط التقليدي حيت النزعة المحافظة و الهادفة الى اعادة الانتاج .
دور المراة الجديد يعكس التحول في طبيعة المجتمع المحافظ نتيجة اكتساح قيم معولمة , فالمراة لم تعد وسيلة اعادة انتاج و انما اصبحت اداة تغيير لصالح القيم الجديدة , و هو ما يفسر ان كل الخلافات السياسية و الايديولوجية هي صراعات حول المراة و نوع المراة المبحوث عنها ؟؟؟
الهيدورة ستختفي من منزلنا لان المراة توقفت عن انتاجها و الجيل الجديد اصبح يعتبر جلود الاضحيات مجرد قمامات و ان العولمة وفرت لنا سجادات صينية رخصية الثمن من اجل عبادة الله !!

مشاركة