المرأة في الأطلس…معاناة مستمرة

نشر في: آخر تحديث:

صوت العدالة – اسريفي عبد السلام

ما إن تبيض جبال الأطلس بالمغرب ، حتى يكثر الحديث عن معاناة المواطن بهذه المناطق، فالاهتمام يكاد يكون موسميا ومرتبط فقط بهذا الفصل من السنة.

فالمرأة هنا بجبال الأطلس تعيش على إيقاع معاناة حقيقية يومية ( تهميش مقنن، أشغال شاقة هي من  اختصاص الرجل،حيف خطير،هدر مدرسي، عنف يومي، زواج القاصرات، هدر مدرسي، عزلة عن باقي العالم…) عنوانها  العزلة والتهميش.

فبمجرد سقوط الثلوج وانخفاض في درجات الحرارة، تتحول الحياة  هنا بالأطلس الى جحيم  حقيقي، لا يمكن للمرأة التنقل لجمع الحطب، ولا يمكنها الخروج لجلب الماء، كما لا يمكنها الذهاب للمستوصف في حالة المرض أو الاختناق،مما يجعلها حبيسة الكوخ العشبي أو الحجري الذي يقتسمه السكان هنا مع الماشية.

فالحياة تتوقف بشكل كبير، لا ترى سوى البياض والضباب، فيما يخرج الرجال لاحتساء بعض كؤوس من الشاي في انتظار الذي قد لا يأتي من الدولة وجمعيات المجتمع المدني. هذا في الوقت الذي تنشغل المرأة في كنس حضيرة البهائم  وطبخ الطعام والسهر على شؤون البيت بشكل عام. أما الأطفال فيجتمعون في جنبات البيت بعدما تعذر عليهم التنقل للدراسة بسبب انسداد الطرق والممرات بالثلوج.

محمد ، هو شاب ابن المنطقة،مجاز معطل عن العمل لمدة تزيد عن العشر سنوات  كلفناه بجمع بعض المعطيات عن النساء هناك بمنطقة الأطلس المتوسط والاستماع اليهن وتدوين ذلك قصد النشر،وفعلا وصلتنا بعض التسجيلات لنساء يقضين اليوم كله يبحثن عن الماء والحطب.

(فاطمة.ن) امرأة متزوجة ولها خمسة أطفال،زوجها مياوم، ولا دخل لها سوى ما تجنيه من بيعها لمنتوجات نسيجية كالزربية المحلية، تقول:” نحن هنا نعاني كل سنة، فبمجرد أن تتساقط الثلوج، تنقطع الطرق والمسالك، وتقل المياه، ويصعب علينا جمع الحطب، مما يضطرنا البقاء في المنازل مجتمعين للحفاظ على حرارتنا ، لكننا دائما نجد أنفسنا مضطرين للخروج للبحث عن الحطب قصد التدفئة، أما إن أصيب أحدنا بالمرض فنضطر لاستعمال الأعشاب المحلية أو الانتظار، لأن كل الطرق المؤدية للمركز حيث يتواجد المستوصف الصحي مغمورة بالثلوج، حتى أبنائي ينقطعون عن الدراسة لنفس السبب، نطالب من الجهات المعنية مدنا بالدعم اللازم قصد تجاوز هذا الوضع المأساوي”.

(مريم.س) فتاة في مقتبل العمر، انقطعت عن الدراسة بسبب  فقر والديها، وتساعد اليوم أهلها في البيت بعدما طلقها زوجها الذي تزوجته عن سن لا تتجاوز 14 سنة تقول:” هنا بالمنطقة الجو بارد للغاية،ليس لدينا ما نفعله سوى جمع الحطب وجلب الماء والاعتناء بالمنزل والماشية،أنا أساعد والدتي المريضة، نحن فقراء، لا نملك شيء سوى مداخيل ضئيلة  وعائدات ما ننسجه من زرابي محلية كباقي نساء المنطقة،كما أننا نساعد بما تجود به ماشيتنا من حليب وصوف ولحوم. بعد وفاة والدي تم تزويجي بشكل تعسفي من زوج يكبرني ب32 سنة، حينها لم أكن أعرف ما  هو الزواج، مورست علي كل أشكال العنف بمنزل الزوج الذي كان لديه زوجة أخرى عمرها يتجاوز الستين سنة، لكن حمدت الله بعدما طلقني وعدت عند أمي لأساعدها في أشغال المنزل والنسيج، نساء المنطقة لا يعرفن القراءة ولا الكتابة هن ضحيات للرجل الذي لا يرى فيهن سوى وسيلة للمتعة والعمل، حتى التلفزة لا يحق لهن متابعة برامجها بكل حرية، كل شيء هنا موجه من قبل الرجل، حتى المساعدات التي تأتينا من الدولة وجمعيات المجتمع المدني يتم التصرف فيها من قبل الرجل، باختصار إن المرأة هنا مجرد آلة عمل ومتعة”.

مصدرنا بالمنطقة، تعمد أن يسأل بعض الرجال الذين اجتمعوا في دكان يستعمله مالكه كمقهى محلية، وسألهم عن دور المرأة هنا بالمنطقة فكانت أجوبتهم كالتالي:” المرأة هي كل شيء في المجتمع، لها نفس الحقوق مع الرجل…” كلمات أخرجها بعض الرجال وضحك عليها الباقي، لأنها مجرد كلمات خرجت من أجل التسلية فقط، فالواقع يكذب هذا،فحينما نجد أن المرأة بالأطلس لا زالت تقوم بكل الأشغال في الوقت الذي يشرب الرجال كؤوس الشاي ، فهذا يعني أن الأمر خطير للغاية، فلا يمكن أن يتقدم شعب ما في غياب سياسة اجتماعية تستحضر النصف الآخر للمجتمع، تحترم وجوده ككيان مستقل له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات،فالمغرب رغم المجهودات الجبارة التي تبذل في هذا الباب، لا زالت هناك نقائص تؤثر بشكل سلبي على مشروعه المستقبلي في مجال الحريات وحقوق الإنسان ،حيث كيف يعقل أن نتحدث عن المساواة في الإرث والمرأة بالأطلس لا زالت تجبر على فعل أي شيء حتى الزواج من رجل يكبرها ب32 سنة، فكيف يعقل أن نتحدث عن حقوق المرأة والمناصفة  في الوقت الذي لا زلنا نسمع عن نساء يلدن داخل الكهوف بالاعتماد على وسائل تقليدية كالعشوب مثلا بسبب بعد أو عدم وجود دار للولادة  تتوفر على التجهيزات الطبية الضرورية لعتق أرواح نساء المنطقة.

إن الواقع الراهن للمرأة بالأطس يبين أنها مازالت تعاني من ظاهرة الأمية والفقر والتهميش والمعاناة، إذ شكلت نتائج دراسة أنجزتها بعض مكاتب الدراسات المتخصصة، حول المرأة القروية بهذه المنطقة مصدر مفاجأة واندهاش كبيرين حيث تتجاوز نسبة النساء القرويات اللواتي يشاركن في الأعمال الفلاحية 80% أكثر من 55% منهن لا يتعدى عمرهن 40 سنة. نفس الدراسة أبانت أن مشاركة المرأة تهم عدة أنشطة، ويتوزع وقت عملها اليومي بين العمل المنزلي (50%) والعمل المتعلق بتربية الماشية (19%) والعمل في الحقول (21%) والعمل في الصناعة التقليدية (%10).

هذا يجعلنا نتساءل عن دور الدولة وجمعيات المجتمع المدني خاصة الجمعيات النسائية التي تفضل الاشتغال في الحواضر والاكتفاء باصدار بيانات تنديدية في ملفات مستهلكة. إذ ما حققته الحركة النسائية بفعل نضالاتها لمدة أربعين سنة لم يشمل النساء القرويات اللواتي لازلن ينتظر بفارغ الصبر من هذه الجمعيات تحسين وضعهن المادي والمعنوي وأن تعري واقع الإقصاء والتهميش الذي تعاني منه البادية المغربية، وتدافع عن حقوقهن في التطبيب والتعليم وتمدرس الفتيات وإنشاء نواد نسوية، الأمر الذي يستعجل معه السؤال حول ضرورة فتح نقاش وطني حول جدية هذه الجمعيات وأهدافه، بل كان التركيز منصب على المرأة بالمدينة والاشتغال على ملفاة متعلقة بالعنف ضد النساء بما فيه الاغتصاب والتعنيف …رغم أنه من باب الواجب الاهتمام بالمرأة القروية بشكل عام، لأنها تبقى هي الأصل ومنطلق لكل البرامج التي تعتمدها الحكومات.

فالمرأة القروية بالأطلس بشكل خاص هي ضحية لسياسات متتابعة للدولة، فلم تنصفها ولم تأحذ بيدها ولا حتى أدخلتها في المعادلة، كانت دائما مغيبة بشكل خطير مما ضاعف المعاناة وحول بالتالي الحياة الى سجن طويل المدة بين جبال كتب عليها أسوار الموت والانتظار.

ملحوظة: تعذر على مصدرنا أخذ صور لنساء المنطقة احتراما لخصوصياتهن،مما حتم علينا استعمال صور من الأرشيف.

اقرأ أيضاً: