بقلم عزيز بنحريميدة
حينما يتحول المنصب القضائي من مجرد موقع وظيفي إلى رسالة مجتمعية سامية، وحينما يكون الجالس على منصة الحكم أقرب ما يكون إلى نبض المواطن البسيط وهمومه، فإننا حتماً أمام حالة استثنائية في القضاء المغربي.. حالة يجسدها الأستاذ علي أيت كاغو، رئيس المحكمة الابتدائية بسطات، الذي لا يُعرّف فقط بصفته القضائية، بل يُعرّف أساساً بصفاته الإنسانية، وأخلاقه العالية، وتواضعه الجمّ.
عرفه المواطنون بسطات كما في تارودانت لا كباقي المسؤولين، بل كقاضٍ شعبي قريب من الناس، يفتح صدره وآذانه للمشتكين والمظلومين، ويؤمن بأن العدل لا يُستورد من النصوص وحدها، بل يُصاغ من ضمير صاحبه وحرارة إحساسه بمعاناة الآخرين. مكتبه مفتوح، وصدره أوسع، لا يتعالَ على أحد، ولا يتأخر عن أحد، مما جعله عنواناً لاحترام القضاء وهيبته في المدينة.
الأستاذ علي أيت كاغو لا يتميز فقط بقربه الإنساني، بل يُشهد له بالكفاءة القانونية العالية، فهو شعلة لا تنطفئ في مجال القانون، موسوعيّ في معرفته، دقيق في فهمه، وواقعيّ في تنزيله، يزاوج بين نص القانون وروح العدالة. كل من اشتغل معه أو أمامه، يخرج بانطباع واحد: “أمامنا رجل دولة حقيقي، وفقيه قانوني، وأبٌ يحمل همّ المتقاضين كأنهم أفراد من أسرته.”
الأخلاق لديه ليست شعاراً، بل سلوك يومي. لم تسلبه المسؤولية بساطته، ولم تُغره السلطة بالمكانة أو الجاه، بل زادته عزماً على أن يكون أقرب لمن لا سند لهم، وأعدل في ميزان من لا يملك غير ثقته في القضاء. وقد رسّخ بذلك ثقافة قضائية جديدة في محكمته، قوامها: الاحترام، التواصل، الحزم مع الظلم، والرحمة في موضعها.
الكل يشهد للأستاذ علي أيت كاغو بحسن تدبيره، ونجاحه في خلق جو قضائي متماسك، تحضر فيه المردودية، لكن الأهم تحضر فيه الكرامة الإنسانية. فأن تكون مسؤولاً، في نظره، ليس امتيازاً، بل مسؤولية تُثقل كاهل صاحبها، وتفرض عليه أن يكون قدوة في النزاهة، وملاذاً في الأوقات العصيبة.
إنه ليس مجرد رئيس لمحكمة، بل هو نموذج في زمن نحن أحوج ما نكون فيه لنماذج تُصلح ما أفسدته سنوات من الجفاء بين المواطن ومؤسسات العدالة. هو من القضاة الذين يعيدون للمغاربة الثقة في القضاء، لا بخطب ولا شعارات، بل بالممارسة اليومية، بالاستماع، بالحكمة، وبالعدل.
ولأن الأمانة تقتضي الإنصاف، فإن الأستاذ علي أيت كاغو يستحق أن يُذكر، لا فقط عند التعيين أو التكريم، بل كلما طُرحت الحاجة إلى نموذج مشرّف للقاضي المغربي، الذي يُشع قانوناً، ويتنفس أخلاقاً، ويحتضن المواطنين بإنسانيته، قبل أن يحكم في قضاياهم بميزان العدالة