هاجرت الفنانة التشكيلية الأستاذة فطيمة الحميدي مدينة طنجة دارسة، وعادت إليها مدرسة وفنانة تشكيلية، وكلها حنين لزمانها ومكانها ولناسها، فحطت الرحال بجمالها الفني، بالمركز الثقافي ابن خلدون ، حيث تعرض لوحاتها هناك ، من 01 دجنبر 2018 إلى 25منه ، وفي هذا الإطار نظمت إدارة المركز الثقافى مائدة مستديرة ، مساء يوم السبت 8 دجنبر 2018 ، من تاطير الفاعل المدني الدكتور محمد علي طبجي ، لمقاربة أعمالها التشكيلية الموسومة ب “اشرقات ربيعية “، وملامسة تداعيات ما تكتنفه من رؤى الفنانة، وموضوع دفاعها على المرأة، لما أصبحت تحتله من مكانة في المشهد التشكيلي المعاصر المغربي.
استهل الدكتور محمد علي طبجي فعاليات المائدة المستديرة بالترحيب بالفنانة فطيمة الحميدي، وانتاجاتها المعروضة، برواق ابن خلدون التاريخي، وبكل المهتمين بالفن التشكيلي، من دارسين وطلبة ومثقفين وإعلاميين، وجمهور متعطش لزخرفة الألوان وجمال حياكتها المسرة للزائرين.
أضفت مداخلة الدكتور والناقد الثقافي يحيى بن الوليد طابعا مميزا على استخلاص الحياة الفنية للاستاذة فطيمة الحميدي، اذ تطرق فيها إلى الفن التشكيلي بالمغرب، وباقي الأجناس الأدبية الأخرى، حيث تتقاطع في تعدد القراءات..ونظرا لما يعرفه العالم من استنساخ وعصر التقنية والصورة، حيث تكون الصورة أقوى من الحدث وتفاعل الفنان مع عصر المرآة.
ما آثار انتباهه، في لوحات الفنانة فطيمة الحميدي، انها أبدعت فيها وتجعلها هي التي تنطق بتعدد المعاني، وأن ألوانها بارزة تفرض نفسها، وتسهم في الرؤية التشكيلية، بما وظفته المبدعة من تقنيات عالية فيها.ثم كشف فيها العالم الشرقاوي في بعده الصوفي، بحثا عن الذات والصفاء.
كما تحمل لوحاتها بعدا تيماتيكيا متمثلا في موضوع المرأة فهي تصرخ بنوع من التمزق.
ذلك ما كشفته مقاربة الدكتور محمد علي طبجي بالقول” : وانا اتابع مسيرة الفنانة فطيمة الحميدي ، ومن خلال مجموعة من اللوحات المعروضة آثار انتباهي لوحتين أساسيتين” نبع”و”وجود ” وهما لوحتان، يسيطر من خلالهما اللون الأزرق، ف” وجود” عبارة عن قطرة ماء ولوحة “نبع”وبداخلها مجسم لجسد يميل نحو الانثوية، فكون الأزرق اصل الألوان، فهو يحيل على الماء لانه اصل الوجود، واللون الأصفر يوحي إلى الاستقرار، وحين نمزج اللونين الأزرق والأصفر يعطينا الأخضر وهو لون عرضاني يرمز إلى الأمل”. واشاد بلوحتها الجديدة ” العنقاء” حيث تمثل قفزة نوعية في تجربتها الإبداعية ، لأن الفنانة اعتمدت على الرمز الأسطوري كون العنقاء تحمل مجسم امرأة… فهي رغم الانكسار تنبعث من جديد، للتحدي والصمود في وجه التمييز واللامبالاة بقضاياها، كما تبدو صورتها ناطقة في لوحة “صرخة”.
هكذا تؤرخ لوحات الأستاذة فطيمة الحميدي لمسار المرأة بالمغرب خاصة والعالم عامة، مما يكسب الفن التشكيلي قوة وقيمة، فتارة تجعل المتلقي يحفر في شعور الفنانة، وتارة أخرى يتم الحديث عن اللامفكر فيه.
اما الأستاذ مصطفى الصنابي، وهو المتتبع للمجال الثقافي المغربي، فوجد أن الأستاذة فطيمة الحميدي تتميز بلمسة جديدة أطلت بها على المشهد التشكيلي بالمغرب، وتعمل في صمت، ولديها بصمة خاصة ، من معرض لمعرض، وهناك تجديد وسيرورة في أعمالها الفنية، كون الفنان التشكيلي بمجرد ما ينهي لوحاته تبدأ حياتها في العالم إلى الأبد. ومبرزا انها فنانة متكاملة تشتغل على الحلي النسائية، والزخرفة على الخزف و… ، وتربية الطلبة على الذوق الجميل بالجدية، والأخلاق.
واخيرا شكر جمهور مدينة طنجة الرائع والمضياف الذي حضر بكثافة لحفل افتتاح المعرض واليوم.
استطاعت بالفن التشكيلي المعاصر الفنانة فطيمة الحميدي أن تقتحم قضايا المرأة عبر لوحاتها، التي زينت بها رواق المركز الثقافي ابن خلدون ، وتنمي التربية البصرية الإنسانية، وترتقي باللغة من المتداول اليومي إلى لغة أكثر رقيا، تختزل الكون في لوحاتها وتجعلها نافذة ، نشرف من خلالها على ما تستبطنه من حمولات فنية عالية الجودة، وقضايا اجتماعية منفتحة على مختلف القراءات بمختلف نظرة المتلقي.
إذا كانت لوحات الفنانة التشكيلية الأستاذة فطيمة الحميدي وسيلة تعبيرية فإن “أول مشهد للتواصل في تاريخ الإنسان هو الرموز” ، على حد قول الأستاذة بديعة السنوسي، التي تضيف أن لوحاتها تحضر فيها المرأة بشدة ، وهي تدافع عنها بين الحاضر والماضي، بالميثاق والارتقاء ارتقاء المرأة للحضارة.
عرفت المائدة المستديرة تفاعلا حيويا وايجابيا في حوار مفتوح بين الحاضرين والفنانة فطيمة الحميدي، من حيث المداخلات والأسئلة، من قبيل هل الدراسة فقط تكفي ليبدع الفنان التشكيلي ام ضروري من الهواية؟ وماهي معاناة وأسباب ودوافع الفنان التي تدفعه للإبداع؟ ماهو توجهها التعبيري في لوحاتها؟..
بعد الترحيب بكل الحاضرين مغاربة وأجانب، وشكرها لهم على عناء السفر من عدة مدن مغربية، تفضلت الأستاذة فطيمة الحميدي بالإجابة عن جل التساؤلات المطروحة عليها بقولها، إنه ضروري من الهواية وحب الفن التشكيلي وصقلهما بالدراسة والبحث لخلق فنان يمتاز بالمواصفات الحرفية. وأنه ليس بالضرورة أن تعاني من شيء ما لتعبر عنه في لوحاتها بل إنها تنقل معاناة المرأة بصفة عامة وتدافع عنها، معتمدة في ذلك على أسلوب تجريدي تارة، وتارة بنصف تجريدي بإبراز المواد الأشكال مثل وجه المرأة أو يديها… لتسهيل نظرة المتلقي وتقريبه من مضامن لوحاتها ورؤياها الفنية.
ذكرت الفنانة فطيمة الحميدي الجمهور بمسارها التعليمي والتكويني والابداعي بدء من مدن القصر الكبير حيث مسقط رأسها، طنجة ، تطوان والدارالبيضاء ، ثم اشتغالها بأزيلال وحاليا بالقنيطرة ، والعروض الفنية التي شاركت فيها بالرباط، القنيطرة وطنجة.
ختمت قولها بالشكر الجزيل، مرة أخرى، لزوجها السيد مراد طبجي الداعم الرئيسي لها، في مسارها الفني، ثم والدتها الحنون، كما شكرت الأستاذ محمد علي طبجي وأسرته، والأستاذ مصطفى هلالي مدير المركز الثقافي ابن خلدون بطنجة وكل الداعمين لها في إنجاح المعرض.
حققت المائدة المستديرة نجاحا كبيرا في التعرف، عن قرب، على جزء من حياة الفنانة التشكيلية الأستاذة فطيمة الحميدي ، وطريقة اشتغالها الفنية والقضايا المطروحة على اللوحات الفنية قصد تحريك روح المتلقي وشعوره الإنساني.
أوقف حبر القلم و “لا أود اغتيال دهشة احد قبل أن يشاهد جماليات هذه اللوحات” على حد تعبير رائد ابي زهرة من الاردن.