بقلم هشام الصميعي
على مدار 30 دقيقة وقف دونالد ترامب الرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية في الكابيتول ليعلن خطاب تنصيبه كأطول خطاب تنصيب رآسي في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ، خطاب لا يستند إلى برنامج صريح أو خطة طريق ظاهرة المعالم يمكن للخبراء الإقتصاديين أو السياسيين أن يتوقعو مخرجاتها ، بقد ما كان الهاجس في هذا الخطاب الذي انتظره المجتمع الدولي من القوة الأولى ،التي تقود العالم هو عبارة عن تطمينات عنوانه القطع مع أسلوب إدارة باين ، فقبل قضائه ليلته الأولى بالبيت الأبيض كان ترامب قد أصدر زهاء 150 قرارا لإقبار سياسة الديموقراطيين .
هذا من جهة الغايات المتلى التي تجسد بداية عصر جديد وسياسة دات قطيعة خالصة مع سلفها ، أما بالنسبة للحمولة الإيديولوجية للخطاب فإنه يتمحور على خصائص إنجيلية وقومية، تدور كلها حول شخصية ترامب ، فشخصنة السلطة كانت من بين الجوانب الخفية والمبهمة في الدافع إليها مند الأباطرة الرومان ، يوليوس قيصر و أغسطين نموذجا ، عندما تصبح السلطة في تماهي مع الزعيم الملهم القادر على استعادة المجد ، وهذا ما يجعلنا نقف قليلا عند تصريح أيلون ماسك ” عندما وصف ترامب بالمنتصر بأكبر معركة انتخابية في تاريخ البشرية وبأنه منقذ الحضارة ” ، او عندما يحاول ترامب جاهدا العمل على استعادة العصر الذهبي الأمريكي في المستقبل ، ولا شك أن الإنجيليين الذين يشكلون واحد على خمسة من الأمريكيين والمتشبعين بتعاليم الكنيسة الإنجيلية، يرون في ترامب داوود زمانه والمنقد لهم من نهاية التاريخ التي ينظرون لها أنها باتت وشيكة بصدام الشرق( الهمجي ) والغرب (المتحضر) في معركة هرمجدون .
فترامب ينظر إلى ولايته الثانية كفرصة من السماء لتحقيق مجد لم يكتمل في ولايته الأولى الذي يعتقد جازما أن نصره فيها قد سرق منه ، فرصة ربما تقوده في ولايته الثانية إلى عقدة الأسكندر المقدوني عندما هوى على كبة الكورديون المعقدة ، وحسم لغز حل خيوطها المشتبكة بضربة سيف ليحكم العالم بأسره ويهزم الأسطورة ، مجد قد يقوده ربما إلى نحت وجهه على «جبل راشمور» كخامس رئيس أميركي مع العظماء ، وذلك ما يطالب به أنصاره بوصفه «منقذ أميركا» .
و يبدو أن الفلسفة السياسية لترامب لا تستند على أية عقلانية عدى أنها تستلهم إستعلائها بالإلهام الموجه بجنون العظمة ، وبالقوة الى اللاهوت الإنجيلي الذي يضع ترامب خارج أية مسائلة عدى القوة المسيطرة على العالم أو العقل الكوني بمفهوم جون بودان، إنه يبدو متحلل من كل تعاقد أو التزامات مع القانون الوضعي أو الدولي ، عندما يقر بضم قناة بنما أو تحويل خليج المكسيك الى خليج أمريكا أو ضم كندا أو حتى بفرض عقوبات على موظفي المحكمة الجنائية أو عندما ينتشي بتحويل الشرق الأوسط إلى جحيم ، وفي أحيان أخرى يظهر متحلل من التزامات القانون الإنساني عندما يهدد بفتح معتقل غوانتانامو لتستقبل آلاف المهاجرين الغير مرغوب فيهم في أمريكا.
في مقابل الطموح الشخصي يبدو ترامب كمسعف للسياسات الأمريكية المتعاقبة لكن بشكل شعبوي، عندما يقرر زيادة الرسوم على الواردات الأمريكية لتحقيق توازن الميزان التجاري وهي خطة سادجة ، حينما ننظر إلى أن أمريكا قد تغامر بشركائها في عالم أضحى مفتوحا على منافسة إقتصادية شرسة وتكتلات مالية لها وزنها ، و طموح جعل أمريكا أول منقب عن الغاز والبيترول في العالم ولضخ ملايين البراميل في الأسواق؛ لخفض الأسعار والسيطرة بالتالي على معدلات التضخم التي تنخر الاقتصاد الأمريكي.
و هي أيضا فكرة سادجة ، لن تؤتي أكلها في فترة زمنية متوسطة المدى، إلا بوقف الحرب الروسية الأوكرانية واستعادة تدفق أنابيب الطاقة من روسيا الى أوروبا، ذلك أن السبب الاساسي في التضخم الذي تعيشه أمريكا يكمن في عاملين عامل خارجي متمتل في ارهاق الاقتصاد الداخلي بعمولات تصدير السلاح لتغدية الحروب. والعامل الداخلي يكمن في تدني مقدرات الصناعات الكبرى على تحقيق نمو في مستوى المنافسة الصينية .
فيما لازالت أمريكا كرائدة للنيوليبرالية الكولونيالية، تكسر اليد الخفية لآدم سميت ،تم تفرض هيمنتها على أسعار النفط من خلال اللوبيين والضغط على الدول المنتجة للطاقة وفي كل الإتجاهات لن يكون النفط والغاز مسعفا للاقتصاد الأمريكي الا على المستوى الطويل الأمد .
والمثير للإنتباه أن الرئيس ترامب كان يتحدث كأنه ملهم من السماء بكل تقة ويقين، وهو محاط بأباطرة صناعة التقنية الحديثة من أمثال إيلون ماسك، ومارك زوكربيرغ، وجيف بيزوس، وتيم كوك كنخبة نيوليبرالية حديثة ، والذين يعون جيدا أن التقنية تمقت اليقينيات الغير مؤسسة على الأبعاد الهندسية والرياضية .
فبأي تكلفة سيسيد السيد ترامب نموذجه في استعادة أمجاد أمريكا الذهبية ، ومن سيتحمل دفع فاتورة تتويج هذا الحلم فاليد المسلحة بالسلاح فحسب لا تحقق الحضارة !