صوت العدالة – الرباط
شهدت العاصمة الرباط يومي 15 و16 أبريل 2025 تنظيم المناظرة الوطنية الأولى حول موضوع: “تدبير منازعات الدولة والوقاية منها: مدخل لصون المشروعية واستقرار الاستثمار وترشيد النفقات العمومية”. هذا الحدث البارز، الذي شارك فيه مسؤولون قضائيون وخبراء قانونيون وممثلو مؤسسات استراتيجية، شكل لحظة تأمل جماعي في الإشكالات المرتبطة بالنزاعات القضائية التي تكون الدولة طرفاً فيها، كما أبرز أهمية الوقاية الاستباقية لضمان الاستقرار القانوني والمالي للإدارة.

ومن بين المداخلات التي أثارت اهتمام الحاضرين، تلك التي قدّمها الأستاذ عبد المجيد شفيق، رئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، حيث سلط الضوء على جانب بالغ الأهمية يتعلق بـ”المنازعات القضائية المرتبطة بحماية الاستثمار الفلاحي من رقابة القرارات الإدارية”.
وفي مداخلته، أكد الأستاذ شفيق أن القضاء الإداري أضحى، في السنوات الأخيرة، فاعلاً محورياً في التوازن بين حماية مبدأ المشروعية من جهة، وضمان الأمن القانوني للاستثمار من جهة ثانية، لاسيما في القطاع الفلاحي الذي يشكل ركيزة أساسية في النموذج التنموي الجديد للمغرب.

وأوضح رئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء أن العديد من النزاعات المعروضة على المحاكم الإدارية تتمحور حول قرارات إدارية تمس بحقوق المستثمرين في المجال الفلاحي، سواء تعلق الأمر بتراخيص الاستغلال، أو نزع الملكية، أو التأطير القانوني للتمويلات العقارية والجبائية ذات الصلة. وهي قرارات، يضيف، تحتاج إلى مقاربة متوازنة تضمن مراقبة قانونيتها دون تعطيل الدينامية الاستثمارية أو المساس بجاذبية مناخ الأعمال.
واعتبر الأستاذ شفيق أن هذا النوع من المنازعات، إذا ما تمت معالجته بفعالية، يمكن أن يشكل مدخلاً أساسياً لترشيد النفقات العمومية، عبر الحد من الأحكام التعويضية الثقيلة التي قد تصدر نتيجة خروقات شكلية أو مسطرية في قرارات الإدارة، داعياً إلى إعمال آليات استباقية قانونية ومؤسساتية لتفادي النزاع قبل وقوعه.
وفي ختام مداخلته، دعا رئيس المحكمة الإدارية إلى تعزيز التعاون بين القضاء ومختلف الفاعلين الإداريين والمؤسساتيين، وإلى إرساء ثقافة قانونية جديدة داخل الإدارة، قائمة على التوقع والوقاية بدل التدخل بعد فوات الأوان، وذلك خدمة لمرتكزات الأمن القضائي وتثبيت الثقة في المؤسسات.
المناظرة التي تميزت بنقاشات رفيعة المستوى، عكست الحاجة الملحة إلى تطوير سياسة وطنية واضحة في مجال منازعات الدولة، تُراعي أبعاد المشروعية، وحسن التدبير، والنجاعة القضائية، في أفق إرساء نموذج إداري أكثر انفتاحاً وفعالية.