الديبلوماسية الحزبية: الواقع والرهان

نشر في: آخر تحديث:

د.أحمد طوالة أستاذ جامعي
تستمد الديبلوماسية الحزبية المغربية شرعيتها من الديبلوماسية الوطنية التي يقودها صاحب جلالة الملك محمد السادس عبر مجموعة من الخطب و الرسائل التوجيهية في هذا المضمار ، و أخرها الخطاب السامي الذي ألقاه جلالته في افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية بتاريخ 11 أكتوبر 2024، الذي ركز فيه على قضية الصحراء المغربية. ويأتي هذا الخطاب في سياق دبلوماسي ، تميز على الخصوص بالاعتراف الفرنسي بالسيادة المغربية على أقاليم المملكة الجنوبية حاضرا و مستقبلا في نهاية يوليوز 2024. وأمام هذه التطورات المهمة، دعا جلالة الملك إلى تعزيز تعبئة القوى السياسية، مبرزا ملامح حقبة جديدة من العمل الدبلوماسي فيما يتعلق بالدفاع عن السيادة الكاملة للمغرب على أقاليمه الجنوبية. و في هذا الصدد قال جلالة الملك، إن “المرحلة المقبلة تتطلب المزيد من التعبئة واليقظة من جانب الجميع لتعزيز مكانة بلادنا بشكل مستدام”، مشددا على الأهمية الحاسمة للوحدة الوطنية في مواجهة هذا التحدي التاريخي. ويشكل هذا التصريح القوي نقطة تحول في التوجه المغربي تجاه القضية الوطنية الاولى، حيث يضع الأحزاب السياسية في قلب الاستراتيجية الدبلوماسية للمملكة.
و انطلاقا من هذا ،وجب تعزيز الدبلوماسية الحزبية في الدفاع عن القضية الوطنية. وذلك من خلال وضع هياكل حزبية داخلية مناسبة، مزودة بمواصفات مؤهلة، وتطبيق معايير الكفاءة والتخصص في اختيار الفاعلين الحزبيين .
وأعتقد اليوم أنه مع التطور الديمقراطي الذي تعرفه بلادنا ، أصبح تدخل الفاعل السياسي ، و المجتمع المدني بقوته الناعمة في التعريف باخر التطورات الحاصلة و الدفاع عنها ، لهذا أضحى من الضرورة بمكان تفعيل الأحزاب المغربية لأدوار الديبلوماسية الحزبية وأن تعبئ طاقاتها بهدف التقرب من نظرائها دوليا و إقليميا مما سيمكن المغرب من استقطابها لموقفه و دعم سيادته على اقاليمه الجنوبية .

و تبقى للدبلوماسية الحزبية أهمية كبيرة في بلورة الاتجاهات السياسية الجديدة في مواقف حكومات الدول و الأنظمة عبر استثمار أمثل لاستراتيجيات واضحة المعالم للدبلوماسية الموازية. و مع ذلك يبقى السؤال المطروح هل حقا للدبلوماسية الحزبية القدرة على مواكبة التقدم الخارجي الحاصل اليوم ؟

علاوة على ذلك، فعلى الدبلوماسية الحزبية ان تلعب دورا هاما في التواصل مع احزاب سياسية و منظمات عربية و افريقية و دولية ، و تسعى جاهدة إلى التعريف بمختلف المشاريع والإصلاحات التي تم إطلاقها في المملكة على كافة الاصعدة الاقتصادية و الاجتماعية و الحقوقية و البيئية و الثقافية .

و بذلك ، تتيح الديبلوماسية الحزبية تعزيز التعاون مع البلدان الشريكة ونشر استراتيجية تأثير مكملة و منسجمة مع استراتيجية الدولة من خلال المشاركة الفاعلة و الناجعة في المؤتمرات و الملتقيات لاسيما الشبابية منها . و هكذا ينبغي على الدبلوماسية الحزبية ان تواكب العمل الاساسي الذي نجني ثماره اليوم، والذي تنجزه الدبلوماسية الرسمية تحت قيادة جلالة الملك.
وإدراكا لأهمية الديبلوماسية الحزبية الفاعلة، يتعين على الاحزاب المغربية تشجيع المشاركة في الجهود المبذولة لتعزيز صورة المملكة على الصعيد الدولي وفي الدفاع عن مصالحها الوطنية. و ذلك عبر :

التعامل الفعال مع فعاليات المجتمع المدني في التعاطي مع تحديات القضايا الوطنية الكبرى
تعزيز القدرة على إقامة علاقات وثيقة مع نظرائهم الأجانب عن طريق بعض الزيارات التي يتم تنظيمها بين الفينة والأخرى مع تسليط الضوء على التقدم الذي أحرزه المغرب.
تملك الفاعلين الحزبيين المهارات المرتبطة بالكفاءات وتقنيات الترافع لدى المؤسسات والمنظمات الدولية، والترافع الرقمي، والتناظر الإعلامي وصناعة الرأي العام حول قضية الصحراء المغربية .
تقوية قدرات الفاعلين الحزبيين في الجانب القانوني والتاريخي و الثقافي والسياسي والاقتصادي للصحراء المغربية، بالإضافة إلى إتقانهم للغات الفرنسية و الإنجليزية الإسبانية ولإلمامهم بثقافة البلد المضيف وخلفياته السياسية والتاريخية
التعريف بمبادرة خطة الحكم الذاتي، كأساس وحيد لحل دائم لقضيتنا الوطنية الأولى التي تقدم بها المغرب في عام 2007 .
استغلال فضاءات التواصل المتاحة دوليا لنشر التطور الحاصل بالمغرب من خلال فتح قنوات تواصل حقيقية دائمة ونشيطة وتكثيف الزيارات الهادفة وتنظيم ندوات ومحاضرات في جامعات و منتديات هذه الدول والحضور الإعلامي فيها، مع إشراك مغاربة العالم من أجل تسهيل تحقيق هذا الهدف.
وبطبيعة الحال، فإن أحزابنا مدعوة اليوم إلى تقوية هياكلها الداخلية والانفتاح أكثر على المهارات الشابة و النسائية و بلورة مخططات للتواصل الناجع و الفعال من أجل استثمار أفضل للديبلوماسية الحزبية ، لأنها تعد عاملا من عوامل التسويق الخارجي لبلادنا.
و بناء عليه، فالديبلوماسية الحزبية تلعب دورا كبيرا على المستوى الخارجي في ظل المتغيرات الجيوستراتيجية في المنطقة، لهذا ينبغي التماهي معها وتوظيفها في خدمة القضايا الوطنية، كما انها تمتلك عدة أليات للتأثير على صناعة القرار الإقليمي و الدولي، متمثلة في جلب تأييد المنتظم الدولي مع توظيف الاعلام لمصلحتها و رؤيتها الأنية والاستراتيجية ، فالديبلوماسية الحزبية اليوم أضحت أهم رافد من روافد السياسة الخارجية للدول ، بل مراقبا و مدافعا حقيقيا للتصرفات الخارجية التي ترى فيها مساسا بالمصالح الوطنية.

اقرأ أيضاً: