*يوسف بنار فاعل تربوي وحقوقي
لتعميق الفهم فيما يخص ملف التعاقد بالتربية والتعليم اتقاسم معاكم مقالي هذا تحت عنوان :التعاقد في مجال التربية والتعليم.. آلية من آليات النيوليبرالية
1) التعاقد آلية من آليات النيوليبرالية :
تسهم السياسات النيوليبرالية التي فرضت قهرا على العديد من دول العالم عن طريق مؤسسات دولية قوية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومصرف التنمية للبلدان الأمريكية، في إفقار الفقراء، واغناء الأغنياء، وزيادة الفجوة بين الطبقات الاجتماعية ، وجلب المزيد من المعاناة للطبقات الشعبية من خلال تبني سياسات التقشف التي تعني تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي الذي كانت تقوم به – الوظيفة العمومية ، التعليم المجاني ، الصحة العمومية ، الخدمات العمومية – ، وحصر وظيفتها في تقوية الأجهزة القمعية ،وتوفير الشروط الملائمة للمستثمرين الخواص، وتامين مصالح الرأسماليين الكبار، وهذا التوجه النيوليبرالي يتجلى في روزنامة من الإجراءات التي تهدف إلى الإجهاز بشكل تدريجي على جميع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية التاريخية التي حصلت عليها الشعوب بعد سنوات عديدة من الكفاح والنضال، كالإجهاز على الحق في الوظيفة العمومية التي تم تفكيكها وتعويضها بالتشغيل بالتعاقد المشؤوم ، الذي يهدف من خلاله إلى جعل المتعاقد مسكونا بالخوف من المستقبل ، فهو لن يكون كراكب القطار الذي يبدأ من نقطة الانطلاق، ويصل إلى خط النهاية عند سن التقاعد، مارا بعدة محطات حياتية معروفة ، بل كراكب مترو الأنفاق يأخذ خطا وينزل بعد عدة محطات كي يتحول إلى خط آخر ثاني وثالث ورابع وخامس ، ففي نسق التعاقد المشؤوم المسار مجهول ، الحياة المهنية تسودها حالة من اللايقين، الكل خائف من المستقبل ، الكل يجري وراء تحقيق المردودية العالية لضمان الاستمرارية ، لأنه عندما لا يسطيع احدهم تحقيق الإنتاجية المفرطة ، يلقى به فورا خارج حلبة التنافس، وكل هذا ليبقى تفكير العامل المتعاقد محصورا في كيفية ضمان الاستمرارية في العمل من خلال الانخراط بقوة في عملية الإنتاج المربح ولو حساب ذاته ،وينصرف عن أداء رسالته التاريخية المتمثلة في النضال للدفاع عن حقوق الطبقة الشغيلة وللتحرر من قيود الرأسمالية المتوحشة ، وذلك لمزيد من الاستغلال والاستعباد أكثر فأكثر، وهذا هو منطق الرأسمالية المتوحشة التي لا يهما من العامل إلا الإنتاجية المفرطة والطاعة والخضوع والاستسلام ،دون مراعاة لوضعه النفسي وشروط العمل التي يجب أن تحترم كرامة الإنسان وطبيعته إنسانية .
2) التعاقد في مجال التربية والتعليم :
إن المرونة في الشغل هي شعار النيولبرالية، وهي تعني نهاية الوظيفة العمومية وميلاد العمل بالتعاقد في جميع القطاعات ، فجميع الدول التي اختارت أو فرض عليها النموذج النيوليبرالي انتهجت سياسة التشغيل بالتعاقد المشؤوم في قطاع التربية والتكوين ، كالولايات المتحدة الأمريكية المنتجة والمصدرة للنموذج النيولبرالي وانجلترا والسويد وفرنسا والهند وكمبوديا، ونيكاراغوا و السنيغال والجزائر والمغرب الذي تبنى لأول مرة نظام التعاقد في حقل التربية والتعليم سنة 1999 ، حيث ظهرت أولى بوادره في الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، الذي نص في المادة 135على ما يلي : يتم تنويع أوضاع المدرسين الجدد من الآن فصاعدا بما في ذلك اللجوء إلى التعاقد على مدد زمنية تدريجية قابلة للتجديد على صعيد المؤسسات والأقاليم والجهات وفق القوانين الجاري بها العمل ، لكن الحكومات التي تعاقبت على المغرب منذ سنة 1999 كانت تتحفظ على تطبيقه إلى حدود سنة 2016 ، حيث شرعت حكومة حزب العدالة والتنمية في اجراته من خلال تشغيل حوالي 102 ألف أستاذة وأستاذ في إطار التعاقد المشؤوم مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين تنفذا لتوصيات المؤسسات المالية الدولية التي دعت الحكومة إلى تقليص كتلة الأجور من خلال مجموعة من الإجراءات من قبيل تقليص عدد المناصب في قوانيين المالية السنوية وتجميد المناصب الشاغرة بفعل التوظيف، ونهج سياسة التعاقد المشؤوم في قطاع التربية والتعليم ،وتحاول حكومة حزب العدالة والتنمية تغليط الرأي العام الوطني من خلال الترويج لأكذوبة مفادها ان التوظيف الجهوي يدخل في سياق تنزيل ورش الجهوية الموسعة والانتقال من عهد المؤسسات المركزية إلى عهد المؤسسات اللامركزية للقطع مع البيروقراطية بالمعنى السلبي للكلمة ،لكن في حقيقة الأمر التعاقد المشؤوم إجراء تقشفي تهدف من خلاله الحكومة التحكم في كتلة الأجور عن طريق التحكم في ميزانية التعليم، فمؤسسات الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين تتمتع بالاستقلالية، وهي الآن تحصل على التمويل من الخزينة العامة للدولة لتسديد أجور الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد ، كمرحلة انتقالية في أفق إلزام الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بالبحث عن التمويل من مصادر أخرى كفرض رسوم التسجيل ، وعقد شركات مع الشركات مقابل خدمة معينة كالإشهار داخل المؤسسات التعليمية ، وفتح شعب جامعية تحت طلب القطاع الخاص، وعقد شركات مع مقاولات متخصصة في دروس الدعم والتقوية الخ .