يعتبر مبدأ البت في القضايا المعروضة على المحاكم داخل أجل معقول مبدأ دستوريا وعالميا وحقا من الحقوق المخولة لمرتفقي العدالة وواجب ملقى على عاتق الدول يجب احترامه وحمايته .
وقد عملت مختلف دول العالم بما في ذلك المغرب على إدراج هذا المبدأ ضمن قوانينها الوطنية ، وهو الأمر الذي فعله المشرع المغربي عندما نص على هذا المبدأ ضمن مقتضيات الدستور المغربي لسنة 2011 في فصله 120 الذي جاء فيه : “ لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول. حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم ” .
ويلاحظ أن المشرع المغربي قد ارتقى بهذا المبدأ إلى مصاف القاعدة الدستورية ، ولهذا نجده قد على عمل على إدخال هذا المبدأ تدريجيا في مجموعة من النصوص القانونية بالرغم من الإنتقادات الموجهة له .
إلا أننا وإن كنا نحبد هذا التوجه التشريعي لما فيه من رقي بمستوى العدالة ببلادنا ، إلا أننا لا ندري ولا نفهم سبب تحميل وزر البطء في البت في القضايا داخل أجل معقول للقاضي وحده ، بالرغم من أن هذا الأخير يعتبر فقط جزء في صنع القرار القضائي الذي يتدخل في صناعته العديد من الأطراف والجهات : مثل المفوض القضائي والمحامي كاتب الضبط …
إن أهمية هذا الموضوع الذي يعتبر من المواضيع الجديدة في الساحة القانونية ، دفع بنا إلى محاولة تحديد مفهومه وإبراز أهم معيقات تحقيقه .
فما هي إذن تجليات مبدا الأجل المعقول على المستوى الدولي والوطني ؟ وهل هو إشكالية تهم القاضي وحده أم تهم منظومة العدالة برمتها ؟ .
للإجابة على هذا الموضوع ارتأيت تقسيمه إلى مطلبين :
المطلب الأول : مفهوم الأجل المعقول
يعتبر مفهوم الأجل المعقول للبت في القضايا من المواضيع الشائكة والمعقدة ، بل ومن المواضيع المستحدثة عل المستوى العالمي .
الفقرة الأولى : مفهوم الأجل المعقول على المستوى الدولي
لقد ورد النص على هذا المبدأ في مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية منها نذكر منها :
- المادة 9 و 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية : نصت على أنه ” يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية سريعا إلى أحد القضاة أو الموظفين المخول لهم قانونا مباشرة الوظائف القضائية ويكون حقه أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه ” .
- الفصل 6 من الاتفاقية االأوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية :
” لكل شخص الحق في أن تسمع دعواه أمام هيئة محكمة بصورة عادلة وعلنية وخلال مهلة معقولة ” .
- المادة 8 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان :
” لكل شخص الحق في محاكمة تتوفر فيها كل الضمانات الكافية خلال مدة زمنية معقولة أمام محكمة مستقلة وغير منحازة ومشكلة طبقا للقانون ” .
- المادة 32 – 1 من ميثاق الحقوق والحريات :
” لكل متهم الحق في محاكمة داخل مدة معقولة “
- المادة 11 من الميثاق الكندي للحقوق والحريات
الفقرة الثانية : تجليات الأجل المعقول على المستوى الوطنية
* الخطب الملكية حول الأجل المعقول :
– جاء في الخطاب الملكي السامي لافتتاح الدورة الأولى للبرلمان يوم 8 أكتوبر 2019 : ” إننا نتوخى من جعل القضاء في خدمة المواطن قيام عدالة متميزة بقربها من المتقاضين، وببساطة مساطرها وسرعتها، ونزاهة أحكامها، وحداثة هياكلها، وكفاءة وتجرد قضاتها، وتحفيزها للتنمية، والتزامها بسيادة القانون في إحقاق الحقوق ورفع المظالم”.
– كما جاء في الرسالة الملكية لمؤتمر العدالة سنة 2018: ” لعل الرفع من أداء العدالة يظل في مقدمة الانشغالات، نظراً لما هو منتظر منها، سواء لدى الأفراد أو من قبل المجتمع. ولا سبيل لتحقيق ذلك إلاَّ بتطوير الإدارة القضائية حتى تدعم جهود القضاة. وقد أبانت التجربة على الدور الذي تلعبه المحكمة الرقمية في هذا المجال” .
* الفصل 120 من الدستور : ” لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول. حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم ” .
* الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة : يوليوز 2013 = الهدف الفرعي الرابع
البت في القضايا و تنفيد الأحكام خلال آجال معقولة .
*المادة 45 من النظام الأساسي للقضاة : ” يحرص القاضي على البت في القضايا داخل أجل معقول، مع مراعاة الآجال المحددة بمقتضى نصوص خاصة ” .
* دورية المجلس الأعلى للسلطة القضائية 21/12/2023 حول الآجال الإسترشادية للبث في القضايا :
أصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية قرارا يقضي بتحديد الآجال الاسترشادية للبت في القضايا، بناء على أحكام المادة 108 من القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس نفسه، كما وقع تغييره وتتميمه، وعلى أحكام المادة 45 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة .
ويأتي هذا القرار استنادا على نتائج الدراسة المنجزة من طرف اللجنة المكلفة بإعداد تصور حول الآجال الاسترشادية للبت في القضايا، وفق مقاربة تشاركية واسعة، وسيدخل حيز التنفيذ ابتداء من فاتح يناير 2024 .
ويحدد القرار، الآجال الاسترشادية بالأيام بالنسبة للقضايا المدنية بمحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية، وكذا الآجال الاسترشادية بالنسبة للقضايا الزجرية بمحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية، علاوة على الآجال الاسترشادية بالنسبة للقضايا التجارية بمحاكم الاستئناف التجارية والمحاكم التجارية، كما يحدد الآجال الاسترشادية بالنسبة للقضايا الإدارية بمحاكم الاستئناف الإدارية والمحاكم الإدارية.
ويحدد القرار الآجال الاسترشادية بالأيام للقضايا المدنية بمحاكم الاستئناف، حيث حددها في 30 يوما بالنسبة للقضايا المدينة الاستعجالية، وفي 90 يوما بالنسبة لمراجعة السومة الكرائية والأداء والإفراغ، كما حدد القرار الآجال في 300 يوم بالنسبة للقضايا العقار العادي والعقار المحفظ.
أما بالنسبة القضايا المدينة بالمحاكم الابتدائية فقد حدد القرار الآجال الاسترشادي لمراجعة السومة الكرائية في 60 يوما، و180 يوما بالنسبة لقضايا الإفراغ وأداء واجبات الكراء والتطليق، وحدد الأجل بالنسبة للنفقة في 30 يوما.
وفيما يخص القضايا الزجرية بمحاكم الاستئناف فقد حدد القرار الآجال الاسترشادي، على سبيل المثال، بالنسبة للقضايا الجنحية الاستئنافية التلبسية في 21 يوما، و120 يوما بالنسبة للجنحي التلبسي العادي، و 90 يوما في الجنحي عن حوادت السير، وبالمحاكم الابتدائية حدد القرار الآجال الاسترشادي في الملف الجنحي العادي التأديبي في 180 يوما، عدد الأيام نفسه في لضايا التحقيق ضمن العنف ضد النساء.
أما بخصوص القضايا التجارية بمحاكم الاستئناف التجارية فقد حدد المجلس الأعلى للسلطة القضائية الآجال بالنسبة لقضايا إيقاف التنفيذ في 15 يوما، وفي 7 أيام لصعوبة التنفيذ، و15 يوما بالنسبة لصعوبة المقاولة.
وعلى مستوى المحاكم التجارية نص القرار ذاته على أجل 30 يوما بالنسبة للقضايا الاستعجالية واسترجاع السيارات، و150 يوما بالنسبة للعقود التجارية، و120 يوما بالنسبة لأكرية المحلات التجارية ..
كما حدد القرار نفسه آجال البت في القضايا الإدارية بمحاكم الاستئناف الإدارية في 120 يوما بالنسبة للمسؤولية الإدارية، و10 أيام بالنسبة لغرفة المشورة وفحص الشرعية، و180 يوما لنزع الملكية و90 يوما لتحصيل ديون الخزينة.
وضمن المحاكم الإدارية؛ حدد الأجل في 180 يوما بالنسبة للمسؤولية الإدارية والمنازعات الضريبية والمعاشات المدنية والعسكرية، ويوم واحد بالنسبة للأوامر المبنية على طلب.
وشدد المجلس الأعلى للسلطة القضائية ضمن المادة الثانية أن الآجال المحددة في الجداول، مجرد آجال استرشادية لتطبيق مقتضيات المادة 45 من القانون التنظيمي 106.13 ولا يترتب عليها أي أثر بالنسبة للدعوى.
ويعهد إلى المسؤولين القضائيين والقضاة بمختلف محاكم المملكة بالسهر على حسن تطبيق هذه الآجال مع مراعاة التطبيق السليم للإجراءات المسطرية المتعلقة بسير الدعاوى المختلفة وبضمان شروط المحاكمة العادلة .
وأوضح المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في المادة الثانية، أن الآجال المحددة في الجداول مجرد آجال استرشادية لتطبيق مقتضيات المادة 45 من القانون التنظيمي 106.13، ولا يترتب عنها أي أثر بالنسبة للدعوى.
ويعهد إلى المسؤولين القضائيين والقضاة بمختلف محاكم المملكة السهر على حسن تطبيق هذه الآجال، مع مراعاة التطبيق السليم للإجراءات المسطرية المتعلقة بسير الدعاوى المختلفة وضمان شروط المحاكمة العادلة.
كما دعا المجلس نفسه المسؤولين القضائيين إلى تتبع تطبيق الآجال موضوع هذا القرار، والسعي إلى تذليل الصعوبات المرتبطة بالإدارة القضائية التي تعترض تطبيقه .
- المادة 75 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية :
” يراعي المجلس عند ترقية القضاة :
– …… ؛
– الحرص على إصدار الأحكام في أجل معقول ؛
– …………. “.
- الفصل 37 من قانون التنظيم القضائي :
” يمارس حق التقاضي بحسن نية ، وبما ال يعرقل حسن سير العدالة. تطبق المساطر أمام المحاكم وتنفذ الإجراءات بما يضمن شروط المحاكمة العادلة واحترام حقوق الدفاع في جميع مراحل التقاضي، وبما يحقق البت في القضايا وصدور الأحكام داخل أجل معقول”.
- المادة 5 من مشروع قانون المسطرة المدنية :
” يجب على القاضي أن يصدر حكمه داخل أجل معقول ” .
- اللجنة الأوروبية لفعالية العدالة CEPEJ :
لقد وضعت هذه اللجنة مجموعة من الخطوط التوجيهية من أجل تجاوز معظلة البت في القضايا داخل أجل معقول :

المطلب الثاني : معيقات البت داخل الأجل المعقول وسبل تجاوزها
إن المشرع عندما نص على البت في القضايا داخل أجل معقول لم يستحضر مجموعة من المعيقات القانونية والواقعية التي من شأنها أن تجعل من هذا المبدأ مجرد حبر على ورق
الفقرة الأولى : المعيقات الواقعية والقانونية
أولا : معيقات واقعية :
كثرة القضايا – قلة الموارد البشرية – سوء النية في التقاضي – ضعف استعمال التكنولوجيا…
ثانيا : معيقات قانونية :
معضلة التبليغ – آجال مفروضة قانونا – البت في الدفع بالزور الفرعي لحكم مستقل …
الفقرة الثانية : الأهداف والرهانات
أولا : اهداف البت في القضايا داخل أجل معقول
رفع منسوب الثقة لدى المتقاضي – جلب الإستثمار – تحقيق الأمن القضائي
ثانيا : التحديات
عدم المساس بشروط المحاكمة العادلة – جودة الأحكام – تفعيل ورش الرقمنة
خلاصة : إننا لا ننكر أن هناك زخم تشريعي في مجال حقوق الإنسان ، وأن المغرب أخد على عاتقه تأهيل منظومته القانونية لجعلها مصدر اهتمام وإلهام لمجموعة من الدول الصاعدة، بل حتى بالنسبة للدول العظمى .
ولهذا نجد بين الفينة والأخرى تحديات كبرى تواجه الدولة المغربية في العديد من القطاعات ، كما هو الحال في قطاع العدالة الذي لطالما شهد رعاية مولوية سامية كانت هي الدافع نحو إقرار مبادئ وقواعد قانونية كونية على المستوى التشريعات الوطنية .
لكننا في نفس الوقت نطالب بضرورة إيجاد الأرضية اللازمة لتفعيل هذه الإصلاحات الكبرى التي يشهدها المغرب .
ويعتبر إقرار مبدأ الأجل المعقول في التشريعات الوطنية تحديا ليس سهلا بالمرة بل يتطلب إقلاع كبير نحو إصلاح منظومة العدالة برمتها ، ولذلك فإننا ندعوا من جانبنا إلى ضرورة إيجاد الأرضية اللازمة لتفعيل الأجل المعقول على المستوى الواقعي بضرورة تعديل مجموعة من القوانين الوطنية ولا يمكن قطعا أن نحمل وزر فشل هذا الورش الكبير لجهة واحدة .
وبذلك فإننا نسجل الملاحظات التالية :
* الأجل المعقول هو رهان وتحدي لمنظومة العدالة ببلادنا
* الأمر غير مرتبط بالقضاة لوحدهم فهو يتعلق بمنظومة العدالة برمتها
* يجب عدم ربط البت داخل أجل معقول بمسؤولية القاضي ( مثلا اتخاده كمعيار في التنقيط) .
* الآجال الإسترشادية المحددة من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية يستحيل احترامها بالنظر للصعوبات القانونية والواقعية الحالية .
* موضوع تنظيم الأجل المعقول هو القوانين الإجرائية وليس النظام الأساسي للقضاة .
ذ/ عبد القادر بنعدو : دكتور في الحقوق
عضو نادي قضاة المغرب