الرئيسية آراء وأقلام إلى متى يستمر البؤس ؟

إلى متى يستمر البؤس ؟

FB IMG 1675540650075.jpg
كتبه كتب في 4 فبراير، 2023 - 8:58 مساءً

عبد المولى المروري

من المحزن فعلا أن يستمر الشعب في وضعه المأساوي هذا، الذي لا تبدو له نهاية قريبة .. مطوق بمعظم المآسي التي يعيشها سكان الكرة الأرضية، إذا استثنينا الحرب اليومية، علما أنه يعيش فقط في إطار ” اتفاق وقف إطلاق النار مع جبهة البوليساريو منذ شتنبر 1991 ” ، بمعنى أننا في حالة اللا حرب واللا سلم.

فبعكس الضجيج اليومي الذي يحدثه المطبلون من الصحافيين و”الكلاميين” عبر منابرهم ومواقعهم بأن المغرب بصدد تحقيق طفرات مهمة تنمويا واقتصاديا، فإن واقع الحال يدلل على عكس ذلك تماما بلغة الأرقام والمؤشرات التي لا تكذب، ولا تحابي.. فالمغرب في أدنى المراتب الدولية على مستوى مؤشرات النزاهة والشفافية، والتعليم والصحة، وفي مقدمة المراتب على مستوى الفساد والرشوة …

وبعكس الوهم الذي يروج له السياسيون وبعض الزعماء الحالمين بأن المغرب يعيش في ظل الأمن والاستقرار .. فإن الحقيقة العميقة والساطعة عكس ذلك تماما .. فعن أي استقرار يتحدث هؤلاء والشعب يعيش تحت وطأة تراجعات متتالية ومتسارعة تهم حرية التعبير وحرية الصحافة وحقوق الإنسان، وتهم الحق في الصحة والتعليم والسكن والعيش الكريم .. ؟ وكل هذه التراجعات عبارة عن حقل ألغام تتكاثر مواده وتتسع مساحته تحت بساط الدولة.. وتهدد استقراراها ..

وبأي أمن يتغنى هؤلاء السياسيون والزعماء الحالمون.. ونسبة الجريمة في ارتفاع متواصل، وساكنة السجون تعرف كثافة متصاعدة في أوضاع إنسانية مأساوية.. وحالات الطلاق اليومية في تزايد دائم، مع ما يتسببه ذلك من تفكك للأسر وتشرد للأطفال في غياب مصاحبة ومواكبة اجتماعية لضحايا الطلاق من نساء وأطفال .. ؟ وعن أي أمن يتكلمون وقاعدة الفقراء في اتساع مضطرد، والطبقة الوسطى أشرفت على الانقراض، والقابعون تحت عتبة الفقر تغزو المدن والقرى لتشكل أحزمة ناسفة تحمل مواد مركزة ومتفجرة من اليأس والحقد والغضب الاجتماعي بسبب الفقر والتهميش والذل، ويتم تغذية هذه المواد الناسفة ببرامج سامة تحمل كل مكونات الميوعة والانحلال والجنوح والانحراف الاجتماعي تحت إشراف ورعاية الدولة (نموذج طوطو وطالبيس)..

وبعد أن انتهى مفعول نشوة المشاركة المشرفة للمنتخب المغربي في مونديال قطر 2022، وأراد الشعب المغربي أن يسترجع وعيه بقضيته المركزية ويصرخ في وجه الغلاء الفاحش الذي يُفرض عليه والإذلال الممنهج الذي يُوضع فيه، جاء تقرير البرلمان الأوروبي الذي يدين الدولة المغربية بارتكابها لانتهاكات في مجال الحريات وحقوق الإنسان.. ليفتح المجال مرة أخرى للمطبلين والكلاميين والزعماء السياسيين الحالمين للدخول في ملحمة التضليل والتطبيل .. في محاولة يائسة لإخفاء حقيقة التراجعات في مجال الحريات وحقوق الإنسان .. فالقول بتحيز البرلمان الأوروبي، وإن كان ذلك التحيز حقيقة، وأن البرلمان الأوروبي يرى بعين واحدة فقط، فإن حقيقة التراجعات هي الأخرى لا تخطؤها العين التي ترى الواقع الحقوقي بكل موضوعية..

ولقد تم – حاليا – إدخال الشعب المغربي في متاهات الصراع المغربي الفرنسي، وهو صراع يهم الحكام والأنظمة حصرا وتحديدا .. ولا يهم الشعب لا من قريب ولا من بعيد، فذلك الصراع لا يعنيه في شيء، والتقارب المغربي الإسباني لا يفيده في شيء.. فالشعب يكفيه عناء الغلاء ووطأة التخلف… ويكفي أولائك القوم وَهْما الاعتقاد بأن الصراع الفرنسي المغربي صراع الند للند .. ومن اعتقد ذلك فعليه أن يعيد قراءة التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والسياسة .. وقبل أن يصل هؤلاء إلى ذلك الاعتقاد أو إلى ذلك الوهم، فعلى الأقل عليهم الاطلاع على المعاهدات والاتفاقيات الاقتصادية والسياسية السرية التي تجمع الدولتين .. والتأكد من القوة السياسية والتفاوضية التي تؤهل المغرب ليصل إلى مرتبة الندية مع الدولة الفرنسية الاستعمارية ..

إن “الأزمة” الفرنسية المغربية، و”التقارب” الفرنسي الجزائري لا يعرف حقيقتهما إلا أولو العزم من رجالات الدولة العميقة، قد يكون جزء منه بسبب الغاز الجزائري، وقد يكون جزء منه بسبب برنامج التجسس بيغاسوس .. وكان يكون جزء منه لأسباب أخرى قد تكون حقيقية وقد تكون مفتعلة .. والكثير من الستائر التي تحجب الحقيقة ستسقط بعد نهاية الحرب الروسية الغربية التي تدور رحاها على الأراضي الأوكرانية.. لذلك من السذاجة والغباء الدخول في جوقة التطبيل الرسمية على حساب القضايا المركزية التي تقض مضجع الشعب وتجعله بدون كرامة وبدون حقوق وبدون مستقبل …

إنه لأمر محزن ومحبط أن ينخرط بعض الزعماء السياسيين في جوقة التطبيل هاته .. ولسان حالهم يقول: لا دخل لنا فيما يتعرض له الشعب المغربي من انتهاكات تضرب قدرته الشرائية وحقوقه المدنية والسياسية وحريته في الرأي والتعبير .. ولسان حاله يقول للشعب المغربي : اذهب أنت وربك فناضلا ضد كل ما تعيشه من ظلم وقهر، إنا ها هنا متفرجون …

إنه لأمر مخز ومقزز أن تنتهي شجاعة بعض الزعماء التاريخيين عند سب وشتم عزيز أخنوش، وما هو إلا دمية تحركها أيادي المخزن من وراء حجاب.. والمؤسف أكثر أن هؤلاء الزعماء يعلمون هذه الحقيقة .. ومع ذلك يتلاعبون بمشاعر الشعب في حملة تضليل ممنهجة .. وتوجيه سهام الرفض والمعارضة إلى الوجهة الخطأ والجهة الخطأ …

لا أدري كيف تتجاهل النخبة السياسية والنقابية التحالف الموضوعي الذي يجمع كل من الألوغارشية والكومبرادورية (*) المغربية، هذا التحالف المقعد والمتشابك الذي زاوج بين المال والسلطة، فتوحدت في مصالح مشتركة، جعلت من الشعب المغربي التعيس مجرد زبون بئيس لهذا التحالف المفترس.. فمن السذاجة والغباء المطبق أن يعتقد زعماء السياسة أن العائدات المالية الضخمة التي يجنيها صاحب الاحتكار الأول لمادة الوقود وغيرها تُصب في أرصدته البنكية لوحده دون شريك من أسرة الألوغارشية.. فهذا غباء ما بعده غباء .. ولكنه بالأحرى تضليل ما بعده تضليل ..

لقد ورطت النخبة السياسية والنقابية نفسها في تحالف غير معلن مع هذه الفئة .. واختارت “نضال” الصمت ، والمعارضة الهادئة قبل أن تتنازل عن هذه المعارضة لفائدة سب وشتم رئيس الحكومة دون برنامج نضالي واضح وشجاع يوجه إلى حقيقة الأزمة وجوهر القضية وأسبابها .. وأضحى من الصعب عليها الخروج من هذا التحالف أو التنكر له .. فقد وصلوا إلى نقطة اللارجعة .. فالصراع ليس بين الشعب الضحية والحكومة الشكلية .. بل بين هذا الشعب وجبهة التحاف الألوغارشي الكوبرادوري .. وهو صراع يتجاوز قدرة وتحمل النخبة السياسية والنقابية الحالية .. فمتى ينتهي دورها في لعبة النضال الأجوف الممسوخ ..؟

الحقيقة الآن أن الشعب أصبح في مواجهة مكشوفة ومباشرة مع الدولة، دون وسيط سياسي أو نقابي مسؤول.. وهذا يفاقم من خطورة الوضع الأمني والسياسي .. فالشعب فقد ثقته في الأحزاب السياسة والنقابات العمالية، ولم تعد بالنسبة إليه تلك الواجهة المدنية التي تحمل همومه وتعبر عن مشاكله، أو يعقد عليها آماله من أجل النضال لفائدته والدفاع عن مصالحه .. لقد انتهى ذلك الزمان .. وهذا ما سيعيد إلى الشوارع المغربية الاحتجاجات المجالية والفئوية .. وستزداد اتساعا وعمقا خلال الشهور القادمة ..

فعلى الدولة أن تسرع في حل الحكومة الحالية والدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها في إطار إصلاحات دستورية جديدة أكثر ديمقراطية، وقانون انتخابي يحقق أكبر قدر من الشفافية والنزاهة والمصداقية .. كخطوة أولى لامتصاص الغضب الشعبي المتصاعد .. وينحو نحو تحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية .. ولو على المدى البعيد .. فمتى يتحقق ذلك ؟ وإلى متى نظل نعيش في هذا البؤس السياسي والاجتماعي ؟

(*) لقد استعرت المصطلح الماركسي دون المفهوم

مشاركة