الرئيسية آراء وأقلام إشكالية العلاقة بين المثقف والسياسي في المجتمعات المتخلفة وكيفية التصدي لها

إشكالية العلاقة بين المثقف والسياسي في المجتمعات المتخلفة وكيفية التصدي لها

IMG 20240621 WA0052.jpg
كتبه كتب في 21 يونيو، 2024 - 9:38 مساءً

بقلم..محمد الموستني

بدون شك أنه توجد إشكالية العلاقة بين المثقف والسياسي كطرفين نخبويين تتمخض عن إشكالية. وبما أن غالبية المثقفين متفقون على وجودها بناء على ما يحدث على أرض الواقع، فضلا عن الحقائق التاريخيةفي هذا الموضوع الشائك خاصة، يدفعنا إلى طرح عدة تساؤلات حول أسباب هذه الإشكالية، ومدى تأثيرها ومضاعفاتها والتي بدون شك تنعكس على الدولة والمجتمع باعتبار أنها تحدث بين مكونين نخبويين يشكلان القمه لهرم مجتمعي، وهما السياسي والمثقف. فالسياسي يصنع القرار وقد يعارض صانع القرار مما يكسبه مكانة متقدمة في المجتمع، وهذا واضحا وجليا من خلال تأثير القرارات السياسية على الشعب. أما المثقف فهو يتصدر المكونات الأخرى للمجتمع من حيث طبيعة التعامل وسعة الآفاق مع الآخر .

وقد يتضح من خلال أهمية هذين الطرحين ومكانتهما تظهر وتنبثق خطورة إشكالية العلاقة بينهما بٱعتبار أن بناء المجتمع ونهوضه وٱعتداله صوب الرقي والتقدم يعتمد على السياسيين والمثقفين لأنه كلما كانت العلاقة بينهما منسجمة ومتناغمة كلما ٱنعكست نتائج ذلك على المجتمع بصورة مفيدة والعكس صحيح مما يضطر معه إلى الإعتراف بهذه الإشكالية والتي تطرح نفسها في جميع المجتمعات والدول المتخلفة، وبشكل واضح الشيء الذي يفسر شدة الصراع بين المثقف والسياسي في مجتمعاتنا وقد يدفعنا هذا الإعتراف الى البحث عن الأسباب التي قادت إليها ،وقد نطرح غالبا هذا السؤال على المعنيين بالصيغة التالية: ما هي الأسباب والدوافع الجوهرية التي تقف وراء حالات الخلاف المستدامة بين المثقفين والسياسيين في العالم المتخلف وخاصة الدول العربية والإسلامية ؟ومن هنا فإنه من البديهي أن نقول ونؤكد أن المجتمع الحاضن للمثقف كما هو الشأن بالنسبة للسياسي فسوف تكون لهما نفس المساوئ والمحاسن وطالما أن المجتمع يعاني في منظومة السلوك والقيم ونقص في الوعي السياسي والثقافي والديني فإن هذه النواقص ستنعكس على الأفراد والمجتمع ويصبح الصراع على تبوأ السلطة بضرب من عصا سحرية بطرق لا حضارية ولا دستورية أمرا معتادا، فيقف الفكر المثقف السليم بالضبط من أصحاب السلطة غير الشرعيين فتظهر أنظمة تقوم على القوة ضاربه القيم والثقافة وأعراف المجتمع عرض الحائط فتتقدم السلطة في الأهمية على كل شيء .
لذلك تتسع الهوة بين السياسي صاحب السلطة والمثقف، ونقصد هنا المثقف الحقيقي وليس المثقف الزائف .فغالبا نجد مثقفين يلهتون ويتصارعون نحو مصالحهم الشخصية لا غير مقابل التنازل عن دور المثقف الحقيقي ،والذي لا يمكن أن يصطف الى جانب السلطة كيفما كانت المساومة، وهكذا يتضح أن الإندفاع وراء السلطه والطمع فيها ومحاولة الاحتفاظ بها يحدث خلافا مستداما بين المثقف والسياسي وهي التي تتغذى عليها الإشكالية القائمة على الدوام.
إن الطامة الكبرى التي تنعكس على الدولة والمجتمع من توطر وصراع وٱنفصال العلاقه بين الإثنين قد يكون الأخطر في هذا الجانب عندما يسن قادة السياسة حملة قمع متواصله وقد تكون أحيانا همجية على المثقفين مما قد يشكل نهاية لحرية الراي والفكر والتعبير وهو يمهد في خطوة أولى في طريق سقوط النظام السياسي نفسه فضلا عن حرمان الدولة والمجتمع من طاقات المثقفين ودورهم الأساسي في الإرتقاء بالمجتمع وبصورة مستمره ومتصاعدة وهي خسارة وخيمة في حقيقه الامر. لهذا السبب تسعى الحكومات الناجحة الى الرقي بالمثقفين وحفظ كرامتهم وهذا ليس حكرا على الحكومات فقط بل المجتمعات الراقية تسعى دائما الى تقديم الدعم المادي والمعنوي للمثقفين من أجل التحفيز على الإبداع الافضل. إن الجانب الثقافي له دور مهم في تكوين المجتمعات والنهوض بها وذلك بالتقليل من حالات التصادم بين السياسي والمثقف ،وهذا يعتمد على ثقافة الحاضنة المجتمعية نفسها إذ يجب أن يكون المجتمع واعيا كي ينتج قائدا سياسيا واعيا يرى في المثقف نصفه الثاني وليس عدوا حتى يتطور البلد وليس غريما أو نقيضا له بل العمل وفق صيغة سياسية ثقافية متلاحمة في صالح الجميع .ولتحقيق هذه الأهداف يجب ٱعتماد بعض المقترحات لمعالجة الإشكالية فيعتمد السبل الديمقراطيه كي تأخذ الثقافة دورها المناسب وأن تحمل الحريات والحقوق لفسح المجال أمام المثقفين بدلا من فرض التبعية والتأييد الأعمى وكسب الثقة المتبادلة بين السياسي والمثقف للتقارب بين الطرفين للنهوض بالمجتمع كما يجب على أصحاب القرار أن ينهجوا التخطيط السليم لجعل الثقافة سلعة اقتصادية تعود على المثقف والدولة بالأرباح المادية والمعنوية ،و يكون عطاؤه أفضل بكثير فضلا عن حماية الملكيه الفكرية وكل ما يتعلق بها حتى يتم إنهاء رحلة الخلاف الطويلة بين المثقف والسياسي قانونيا وسلوكيا ،و حتى يصبح للمثقف الحق في أن يقول ما يجب أن يقال والسياسي أن يقول ما يوافق المقام .

مشاركة