بقلم: عبد السلام اسريفي
منذ تأسيسها عام 1948، لم تكفّ إسرائيل عن استخدام أدواتها العسكرية لتعزيز موقعها الإقليمي، متبنية استراتيجية توسعية تعتمد على الاحتلال والاستيطان، ورافضة لأي تسوية سلمية عادلة تنهي الصراع العربي-الإسرائيلي. ومع تسارع التحولات الإقليمية، يبدو أن تل أبيب، خاصة بقيادة اليمين المتطرف، تسعى إلى إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط بما يخدم أمنها ومصالحها الاستراتيجية، ولو على حساب استقرار المنطقة وحقوق شعوبها.
خلال العقود الماضية، تنصلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من التزامات اتفاقات أوسلو، وواصلت تقويض حل الدولتين عبر التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وحصار قطاع غزة، وسط صمت دولي وتخاذل غربي مريب. ومع توقيع “الاتفاقيات الإبراهيمية” عام 2020، سعت إسرائيل إلى تطبيع علاقاتها مع عدد من الدول العربية دون تقديم أي تنازلات حقيقية للفلسطينيين، متجاوزة المبادرة العربية للسلام (2002) التي اشترطت قيام دولة فلسطينية مستقلة مقابل التطبيع الشامل.
ومع اندلاع انتفاضة 7 أكتوبر 2023، كشفت إسرائيل عن وجه أكثر شراسة. فقد صعّدت عملياتها العسكرية في قطاع غزة، ووسّعت نطاق استهدافها ليطال لبنان وسوريا واليمن، في محاولة لشلّ قوى المقاومة وإضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة. إلا أن هذه السياسة لم تؤدّ إلى تحقيق نصر حاسم، بل أدخلت إسرائيل في حرب استنزاف طويلة الأمد، باتت حكومتها أسيرة لها، وعاجزة عن التراجع أو فرض شروطها بشكل نهائي.
ففي ظل هذا النهج، تحولت إسرائيل من لاعب يسعى للسلام، إلى قوة تفرض هيمنتها عبر أدوات الردع والعنف، دون أن تمتلك شركاء إقليميين حقيقيين يتبنون رؤيتها. كما أن غياب أطراف فلسطينية ولبنانية مستعدة للقبول بـ”السلام الإسرائيلي” يجعل مشروع الهيمنة الإسرائيلي مشروعًا هشًا، محفوفًا بمخاطر انفجار دائم في المنطقة.
وفي المقابل، لم تستسلم إيران أو حلفاؤها، بل يسعون إلى إعادة تشكيل جبهات المواجهة في غزة ولبنان والعراق واليمن، ما ينبئ بمرحلة جديدة من الصراعات الإقليمية المفتوحة على كل الاحتمالات.
فمن الأكيد أن إيران لن تبقى صامتة، بل سترد وقد ردت على اسرائيل، وضربت مواقع استراتيجية مهمة داخل تل أبيب ولأول مرة، مقابل ذلك، كثفت اسرائيل من ضرباتها في عمق طهران، مستهدفة مواقع مهمة، ما جعل أمريكا تهدد بالدخول في الحرب الى جانب حليفتها بشكل تريد من وراءه الضغط على طهران التقليل من ضرباتها والقبول بالمفاوضات، هذا في الوقت الذي برزت الوجود قائمة طويلة من الخلفاء لهذا الجانب أو ءاك، ما سيعجل ببروز نظام عالمي جديد، قد تتحكم فيه القوى الكبرى ( أمريكا، روسيا، الصين وحتى الهند).
ختامًا، يبدو أن ما تريده إسرائيل من الشرق الأوسط يتلخص في شرق أوسط خاضع، بلا مقاومة، بلا دولة فلسطينية، وبلا توازن قوى. لكن هذا الطموح يصطدم بواقع إقليمي معقّد، ومجتمعات ترفض الاستسلام، ما يجعل الأمن الإسرائيلي هشًا مهما تعاظمت ترسانته، ويجعل السلام العادل ضرورة لا مفر منها، لا مجرد خيار مؤجل.