عبد الكبير الحراب
أصدرت المحكمة الابتدائية بمدينة سيدي سليمان، حكمًا بالسجن النافذ لمدة أربع سنوات في حق البرلماني السابق والقيادي السابق في حزب الاتحاد الدستوري، إدريس الراضي، وذلك بعد متابعته في واحدة من أخطر قضايا التزوير والتصرف غير المشروع في أراضٍ سلالية، تورط فيها إلى جانب مجموعة من الأفراد بينهم مقربون منه وموظفون عموميون.
ووفقًا لمصادر قضائية، فإن شقيقه، كريم الراضي، نال بدوره حكمًا بالسجن النافذ لمدة ثلاث سنوات، فيما تم الحكم على سبعة نواب للجماعة السلالية بالسجن لمدة سنتين لكل واحد منهم، بالإضافة إلى موظفين اثنين يعملان بقسم الشؤون القروية بعمالة سيدي سليمان حُكم عليهما بسنة ونصف سجنا نافذا.
تعود فصول القضية إلى سنة 2022، عندما تقدمت وزارة الداخلية بشكاية رسمية إلى رئاسة النيابة العامة، تفيد بوجود شبهة تزوير في الوثائق المتعلقة بطلب رخصة لقطع أشجار غابة تقع على مساحة 83 هكتارًا بجماعة القصيبية، تقدم بها إدريس الراضي، مدعيًا امتلاكه الحق في استغلالها باعتباره وصيًا على أراضٍ سلالية.
غير أن التحريات التي باشرتها الفرقة الوطنية للدرك الملكي، بطلب من النيابة العامة، كشفت عن تلاعبات خطيرة في الوثائق المرفقة بطلب الترخيص، من بينها تصاريح مشكوك في صحتها وشهادات إدارية تم الحصول عليها بالإدلاء ببيانات زائفة.
وجهت المحكمة تهمًا ثقيلة للمشتبه فيهم، شملت “تزوير وثائق رسمية”، و”استعمال وثائق مزورة”، و”الاستيلاء على أملاك جماعية دون سند قانوني”، بالإضافة إلى “الإدلاء ببيانات كاذبة للحصول على وثائق إدارية”. وقد تبين خلال المحاكمة أن التزوير لم يقتصر على الوثائق، بل شمل أيضًا إقرارات وهمية وتواطؤًا بين المنتخبين والموظفين بغرض تسهيل العملية.
أثارت تصرفات إدريس الراضي خلال المحاكمة الكثير من الجدل، حيث امتنع عن الحضور في أغلب الجلسات، مكتفيًا بتقديم شهادات طبية لتبرير غيابه. ورغم دعوته المتكررة للمثول أمام الهيئة القضائية، ظل يتغيب، مما دفع المحكمة إلى إصدار أمر بإحضاره بالقوة العمومية.
تعكس هذه القضية حجم التلاعب الذي يمكن أن يطال الأراضي السلالية، والتي يُفترض أن تكون محمية قانونيًا لصالح ذوي الحقوق من أبناء الجماعة السلالية. كما تبرز تواطؤ منتخبين وموظفين في تسهيل الاستيلاء على هذه الأراضي، مقابل مصالح شخصية أو ضغوطات.
وتأتي هذه الإدانة في سياق جهود وزارة الداخلية لتطهير ملف الأراضي السلالية من الفساد، وفرض احترام المساطر القانونية في منح التراخيص، وهو ما يمثل رسالة قوية إلى كل من يحاول استغلال منصبه أو نفوذه للتلاعب بممتلكات عمومية.
تُعد إدانة إدريس الراضي ومن معه بمثابة لحظة مفصلية في تاريخ محاربة الفساد المرتبط بتدبير الأراضي السلالية في المغرب. كما أن هذا الملف القضائي سلط الضوء على آليات خفية كان يتم عبرها تمرير وثائق مزورة دون مساءلة، وهو ما يُنتظر أن تُواكبه إصلاحات قانونية ومؤسساتية لضمان عدم تكرار مثل هذه الممارسات مستقبلاً.