ذ / مصطفى هيبي
يعتبر الشيك ورقة تجارية و أداة للأداء له دور مهم في جميع المعاملات المدنية والتجارية على حد سواء، وقد تطرق لأحكامه المشرع المغربي في مدونة التجارة من خلال القانون رقم 15.95 في القسم الثالث من الكتاب الثالث في إحدى عشر بابا و خصص حماية قانونية لمختلف المتعاملين به من ساحبين ومستفيدين و مظهرين وحاملين وضامنين احتياطيين ومسحوب عليهم كما أفرد ذعائر إدارية على من يخالف بعض أحكامه كذلك عقوبات زجرية تتراوح بين الغرامة لوحدها أو العقوبات الحبسية مع الغرامة وخاصة في المواد 316 و 317 و 318 و 319 من مدونة التجارة و ذلك بالباب الحادي عشر الذي عنونه المشرع بأحكام عامة و زجرية.
ولعل أهم ما يثير بعض الصعوبات من الناحية العملية هو تطبيق مقتضيات المادة 327 من مدونة التجارة التي جاء فيها ما يلي: “يصرف النظر عن تطبيق مقتضيات قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بالاختصاص، تنظر المحكمة التي يقع الوفاء بدائرتها في الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب”.
L article 327
Sans préjudice de l’application des dispositions du code de procédure pénale relatives a la compétence, le tribunal du lieu où le chèque est payable connait des infractions prévues par le présent chapitre
فالقراءة السليمة لنص المادة المذكورة هي انه دون الإخلال بتطبيق أحكام قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بالاختصاص و المحددة في المادة 259 من قانون المسطرة الجنائية التي جاء فيها ما يلي:
” يرجع الاختصاص، مع مراعاة مقتضيات القسمين الأول والثاني من الكتاب السابع من هذا القانون إلى المحكمة التي يقع في دائرة نفوذها إما محل ارتكاب الجريمة و إما محل إقامة المتهم أو محل إقامة أحد المساهمين أو المشاركين معه في الجريمة و إما محل إلقاء القبض عليهم أو على أحدهم، و لو كان القبض مترتبا عن سبب آخر”، فمن المحكمة التي يقع الوفاء بدائرة نفوذها تكون مختصة كذلك للنظر في الجرائم المذكورة في الباب الحادي عشر وخاصة الجنح المحددة في المادة 316 من مدونة التجارة.
والأصل هو الاختصاص المحلي الثلاثي لمحكمة الموضوع للنظر في جرائم الشيك أي أن المحكمة الابتدائية المختصة مكانيا أو محليا هي إما المحكمة التي يقع في دائرة نفوذها محل ارتكاب الجريمة أو محل إقامة المتهم أو محل المساهمين أو المشاركين معه في الجريمة، و إما محل إلقاء القبض عليهم أو على أحدهم و لو كان القبض مترتبا عن سبب آخر. و قد أضاف المشرع بمقتضى المادة 327 من مدونة التجارة اختصاصا رابعا إلى الاختصاص المذكور في المسطرة الجنائية و هو اختصاص المحكمة الابتدائية التي يقع في دائرة نفوذها الأداء أي أداء الشيك و هي عادة المحكمة التي يقع في دائرتها البنك المسحوب عليه. فالمشرع قد ارتأى توسيع الاختصاص المحلي المنصوص عليه في المادة 259 من قانون المسطرة الجنائية بإضافة اختصاص المحكمة التي يقع ضمن دائرة نفوذها الوفاء، وهدفه من ذلك كما أكد على ذلك الأستاذ عبد الإله المستاري الوكيل العام السابق لدى محكمة الاستئناف بمراكش في إحدى مداخلاته بتاريخ 26/02/1998 المنشور في مجلة المحاكم المغربية العدد 83 متحدثا عن إشكاليات تجريم الشيك من خلال مدونة التجارة، هو توسيع دائرة تعقب مرتكبي الجرائم الخاصة بالشيك و توفير الحماية الكاملة للتعامل به وفسح المجال لإمكانية ملاحقة البنك الذي قد يخل بالالتزامات التي فرضت عليه و التي رتب عليها المشرع عدة جزاءات زجرية و محاكمته من طرف المحكمة التي يوجد بدائرة نفوذها، و ما يؤكد هذا الطرح هو مقتضيات المواد 317 و 318 و 319 من مدونة التجارة.
أما القول بان المادة 327 من مدونة التجارة التي قد أسندت الاختصاص المحلي حصريا إلى محكمة الوفاء دون غيرها و أن هذا استثناء من قاعدة ثلاثية الاختصاص المنصوص عليها في المادة 259 من قانون المسطرة الجنائية فهو قول مردود و لا يرتكز على أي أساس من الواقع والقانون وفيه خرق لتطبيق نص قانوني صريح. فالمادة 327 كانت ستحصر الاختصاص المحلي على محكمة الوفاء لو كانت صيغتها كالتالي:
” تنظر المحكمة التي يقع الوفاء بدائرتها في الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب” وقد تطرقنا بالتحليل لمقتضيات المادة المذكورة لما يعترضنا في كثير من الحالات من أوامر قضائية بعدم الاختصاص المحلي صادرة عن قضاء التحقيق استندت إلى المادة 327 من مدونة التجارة لجعل الاختصاص المحلي محصورا في محكمة الوفاء دون باقي قواعد الاختصاص المحددة في المادة 259 من ق م ج في تطبيق غير سليم للقانون مع العلم أن قضاء التحقيق قد نظمه المشرع المغربي في الكتاب الأول من قانون المسطرة الجنائية تحت عنوان التحري عن الجرائم و معاينتها إذ أشار في القسم الأول إلي السلطات المكلفة بالتحري عن الجرائم و أشار إلى سرية البحث والتحقيق في الباب الأول والشرطة القضائية في الباب الثاني و النيابة العامة في الباب الثالث والقضاة المكلفون بالتحقيق في الباب الرابع و حدد الاختصاص المحلي لقاضي التحقيق في المادة 55 من قانون المسطرة الجنائية التي ورد فيها: ” يختص قاضي التحقيق محليا طبقا للمادة 44 من هذا القانون “.
و المادة 44تحدد الاختصاص المحلي لوكيل الملك التي ورد فيها ما يلي: يرجع الاختصاص المحلي إما لوكيل الملك في مكان ارتكاب الجريمة، و إما لوكيل الملك في محل إقامة أحد الأشخاص المشتبه في مشاركته في ارتكابها، و إما لوكيل الملك في مكان إلقاء القبض على احد الأشخاص و لم تم هذا القبض لسبب آخر”.
إذن الاختصاص المحلي لقاضي التحقيق هو نفس الاختصاص المحلي لوكيل الملك باعتباره سلطة تحري واتهام وضعه المشرع ضمن السلطات المكلفة بالتحري عن الجرائم و تطرق لمسطرة التحقيق الإعدادي في القسم الثالث من الكتاب الأول. و لا علاقة للسيد قاضي التحقيق بمقتضيات المادة 259 من قانون المسطرة الجنائية التي تتعلق في الأصل بقضاء الحكم وتحدث عنها المشرع في الكتاب الثاني تحت عنوان الحكم في الجرائم إذ تطرق القسم الأول منه للاختصاص و ميز بين قواعد الاختصاص العادية وقواعد الاختصاص الاستثنائية .
فقاضي التحقيق مؤسسة أوكل لها المشرع مهمة التحقيق والتحري عن الجرائم و هو بذلك سلطة اتهام وليس بمحكمة. وحتى لو أخذنا بعين الاعتبار أن كلا من قاضي التحقيق ووكيل الملك يزاول مهامه داخل الدائرة الترابية للمحكمة الابتدائية التي يشتغل بها فإنه لا يمكن إسقاط باقي القواعد المنصوص عليها في المادة 259 من ق م ج عند البحث و التحقيق في جرائم الشيك وقصر الاختصاص المحلي على محكمة الوفاء فقط.
كما أن السيد قاضي التحقي عند إجراء تحقيق في القضايا المحالة عليه سواء من طرف النيابة العامة أو طرف الطرق المدني عند تقديم شكاية أمامه يتخذ عدة أوامر تتعلق بسير إجراءات التحقيق و أخرى تتعلق بانتهاء التحقيق منها الأمر بعدم الاختصاص، و سواء أكان الأمر بعدم الاختصاص قدر صدر في إطار مادة 97 من قانون المسطرة الجنائية على إثر شكاية الطرف المدني أو في إطار المادة 215 من نفس القانون لا بد من إحالة الملف على النيابة العامة لتقديم ملتمساتها النهائية و خاصة في إطار المادة 215 إذ عليه إحالة الملف على النيابة العامة التي سبق و أحالت عليه المطالبة بإجراء التحقيق داخل أجل ثمانية أيام من صدور بعدم الاختصاص والتي لها الحق في استئناف هذا الأمر لدى الغرفة الجنحية إن كان له مبرر أو إحالته على النيابة العامة المختصة وليس من حق قاضي التحقيق إحالة الملف مباشرة على النيابة العامة التي تبين له أنها مختصة محليا.
و ارتباطا دائما بالقضايا المثارة بشأن تطبيق قواعد الاختصاص المحلي المنصوص عليها في المادة 44 من قانون المسطرة الجنائية فهذه القواعد تطبق بغض النظر عن تقادم الأفعال الجرمية محل البحث من عدمه أي أن قواعد الاختصاص المحلي يجب تطبيقها و قبول الشكايات المحالة من النيابة عامة لأخرى و لا يمكن إرجاع الشكاية للنيابة العامة التي أحالتها بعلة أن الأفعال الجرمية قد طالها التقادم ، وكأن قواعد الاختصاص تفعل فقط عن عدم وجود التقادم، بل على العكس من ذلك فاتخاذ قرار بحفظ شكاية للتقادم لا يمكن قانونا أن يتم إلا من طرف النيابة العامة المختصة محليا دون غيرها.