الرئيسية أحداث المجتمع تقرير مفصل لأطروحة لنيل الدكتوراه في  العلوم القانونية في موضوع : الســـياســة الجنـائية في مكـافحــة غــسل الامـوال وتمـويل الارهــاب للطالب الباحث سعيد اكونتر      

تقرير مفصل لأطروحة لنيل الدكتوراه في  العلوم القانونية في موضوع : الســـياســة الجنـائية في مكـافحــة غــسل الامـوال وتمـويل الارهــاب للطالب الباحث سعيد اكونتر      

IMG 20220613 WA0033
كتبه كتب في 13 يونيو، 2022 - 8:51 مساءً
جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش     مركز دراسات الدكتوراه الحقوق والاقتصاد والتدبير مجموعة الأبحاث والدراسات الجنائية والحكامة الأمنية      

          

مقـــدمــــة

في التقديم العام الذي حاولنا الدخول من خلاله للموضوع، تطرقنا فيه لمجموعة من العناصر الأساسية التي تعتبر ضرورية لتقديم الموضوع بالشكل المطلوب، وتهييء المتلقي او القارئ على فهم واستشراف ما سيأتي في عرض الدراسة، وهذه العناصر تتمثل فيما يلي :

أولا :الإطار العام للموضوع.

حاولنا فيه رصد البدايات الأولى لجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وخطورتهما من جميع النواحي وعلى كافة الأصعدة بالتفصيل ، مبينين أن  المشرع المغربي حاول تنزيل المعايير الدولية لمكافحة الجرائم موضوع الدراسة، من خلال اصدار القانون رقم 43.05([1]) والقانون رقم 03.03([2])، من اجل رسم سياسة جنائية متكاملة مع باقي السياسات العمومية لمكافحة الجرائم موضوع الدراسة، كما بينا ان الدولة المغربية  قامت بجهود مؤسساتية وميدانية حثيثة  لمكافحة هذا النوع من الجرائم .

.

IMG 20220613 WA0042 1

ثانيا :تحديد مفاهيم موضوع الدراسة .

يرتكز موضوع البحث على تحليل ودراسة موضوع السياسة الجنائية في مكافحة غسل الاموال وتمويل الإرهاب، وهو موضوع يتضمن مفاهيم تحتاج منا إلى توضيح، من أجل فكها وفهمها، بحيث لا يستقيم البحث في هذا الموضوع دون التعريف – بشكل دقيق – بمفاهيمه الأساسية، ولذلك حاولنا تحديد المفاهيم التالية لغويا واصطلاحيا .

  1. التحديد اللغوي والاصطلاحي لمفهوم السياسة الجنائية .
  2.  التحديد اللغوي والاصطلاحي لمفهوم غسل الأموال .
  3. التعريف اللغوي والاصلاحي لتمويل الإرهاب .

ثالثا : دوافع اختيار موضوع الدراسة.

حاولنا في هذا العنصر تحديد الدوافع الموضوعية والذاتية التي دفعتنا لاختيار موضوع هذه الدراسة بالتفصيل، على اعتبار ان اختيارنا لهذا الموضوع لم يكن اعتباطيا وعشوائيا، بل كان نتيجة لمجموعة من الدوافع الموضوعية والذاتية .

IMG 20220613 WA0032

أهمية موضوع الدراسة  .

وفي هذا العنصر حاولنا الإحاطة بالاهمية القانونية والاجتماعية لموضوع الدراسة، للتأكيد على انه موضوع مهم يستحق فعلا وبجدارة أن يكون موضوع أطروحة دكتوراه .

إشكال الدراسة .

تعتبر جرائم غسل الاموال وتمويل الارهاب، من الجرائم الخطيرة على كافة المستويات، مما دفع الدول الى توحيد جهودها لمكافحة هذا النوع من الجرائم، من خلال إبرام اتفاقيات دولية وإنشاء مؤسسات وهيئات دولية لمكاحة الجرائم موضع الدراسة، كما عملت على إصدار مجموعة من القوانين والانظمة على الصعيد المحلي، تنزيلا للجهود الدولية اعلاه لتحقيق المكافحة المنشودة للجرائم المذكورة.

 وهو ما انخرط فيه المغرب بمصادقته على جميع الاتفاقيات الدولية في هذا الصدد كما فصلنا ذلك في عرض هذه الدراسىة، وحاول تنزيلها في قوانينه الوطنية، كما انه انظم الى مختلف المنظمات والهيئات الدولية الهادفة لمكافحة الجرائم موضوع الدراسة.

 إلا أن كل الجهود الأنفة الذكر، تبدو قاصرة في تحقيق المكافحة المرجوة للجرائم المومأ اليها اعلاه، نظرا لوجود العديد والعديد من المؤشرات الدالة على استفحال جرائم غسل الاموال وتمويل الارهاب في المغرب وفي معظم دول العالم، ولاسيما دول منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وابسط دليل على ما ذكر، أن الجرائم الارهابية بقيت في تطور مستمر يوما بعد يوم، وهو ما يدل على عدم قدرة الدول على تجفيف منابع تمويل الظاهرة الارهابية، أضف الى ذلك ندرة قضايا غسل الاموال المعروضة على القضاء المغربي وبالخصوص المتعلقة بغسل الاموال، مما يطرح السؤال عن النجاعة والفعالية والمصداقية وكذا سؤال الارادة السياسية، بخصوص الجهود المبدولة لمكافحة الجرائم موضوع الدراسة.

ونعتقد انه يمكن صياغة الاشكال أعلاه، على شكل سؤال اشكالي محوري يتمثل في ما يلي: إلى أي حد استطاع المشرع المغربي وضع سياسة جنائية معاصرة وفعالة وناجعة وذات مصداقية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب؟

 وهو ما سعينا للجواب عليه في هذه الدراسة المتواضعة، او على الاقل توفير بعض عناصر هذا الجواب، كما سعينا كذلك إلى الإجابة والتدقيق في مجموعة من الأسئلة الفرعية التي تتفرع عن الإشكال المحوري أعلاه من قبيل:

  • ما هي أهم ملامح السياسة الجنائية الدولية المعتمد عليها لمكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب؟
  • إلى أي حد استطاع التشريع المغربي وضع سياسة التجريم الملائمة من كافة المستويات لمكافحة الجرائم المدروسة؟
  • وما مدى توفق المشرع المغربي في وضع سياسة وقائية فعالة لمنع الجرائم موضوع الدراسة؟
  • ثم إلى أي حد تمكن المشرع المغربي من وضع سياسة عقابية ملائمة لزجر مرتكبي جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب؟
IMG 20220613 WA0041

منهج البحث في الدراسة .

اعتمدنا في إعداد هذه الدراسة على مناهج البحث التالية :

  • منهج تحليل المضمون: وبواسطة هذا المنهج عملنا على تفكيك وتحليل محتوى الوثائق والنصوص الرسمية، التي اعتمدنا عليها في هذه الدراسة.
  • المنهج النقدي: وهو الذي مكننا من تقصي بعض الاتجاهات الفقهية والتشريعية وتقييم مدى صلاحيتها لمعالجة النقطة التي نحللها في حينه، مع نقض السياسة الجنائية الدولية والمحلية المعتمد عليها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بصفة عامة.
  • المنهج المقارن: وباستعمال تقنياته تطرقنا لبعض القوانين المقارنة، من أجل الاستفادة من تجربة بعض الدول ذات السبق في مجال مكافحة الجرائم موضوع البحث، أو التي تنص على مقتضيات معاصرة في هذا الصدد، ولاسيما قوانين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نظرا لكون المغرب ينتمي مع هذه الدول لمنظمة “MENAFATF”، كما حاولنا استحضار القانون الفرنسي بشكل محدود في هذا الإطار، والهدف طبعا، هو استنباط الوسائل المثلى لمكافحة الجرائم موضوع الدراسة.
IMG 20220613 WA0021

خطــــة الـــدراســــة :

للإجابة على الإشكال المحوري لهذه الدراسة وأسئلته الفرعية، إجابة شافية كافية، بالإحاطة بكل جوانب الموضوع بالتحليل والدراسة وباستعمال مناهج البحث الانفة الذكر، لكل هذا اتبعنا التصميم التالي :

الباب الأول :

الجهود الدولية وسياسة التجريم الوطنية أهم السبل

لـمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب .

وفي هذا الباب، حاولنا التطرق بالدراسة والتحليل، لأهم ملامح السياسة الجنائية الدولية، المعتمد عليها من طرف المنتظم الدولي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ونخص بالذكر هنا، المواثيق الدولية الصادرة عن منظمة الامم المتحدة ومجلس الأمن، التي صادق عليها المغرب ويلتزم بمضمونها، لقمع الجرائم موضوع الدراسة، وكذا أهم جهود المنظمات والهيئات الدولية التي انضم إليها المغرب والمختصة في مكافحة الجرائم المذكورة.

كما حاولنا في نفس هذا الباب، دراسة سياسة التجريم التي رسمها المشرع المغربي لمكافحة الجرائم موضوع البحث.

IMG 20220613 WA0024

الباب الثاني:

سياسة الوقاية وسياسة العقاب المعتمد عليهما

لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب .

في هذا الباب، حاولنا تحليل سياسة الوقاية التي ينهجها المشرع المغربي لمنع ارتكاب جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك بالتطرق لأهم المقتضيات القانونية ذات الطابع الوقائي في هذا الصدد.

كما تطرقنا في نفس هذا الباب، لسياسة العقاب التي اعتمدها المشرع المغربي لمكافحة الجرائم أعلاه، وذلك بالتطرق لأهم المقتضيات المنظمة لهذه السياسة في التشريع المغربي.

مع استحضار دائما في جميع نقاط البحث القوانين المقارنة، سيما قوانين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا والتشريع الفرنسي، ثم العمل القضائي المغربي المقارن طبعا.

IMG 20220613 WA0022

الباب الأول: الجهود الدولية وسياسة التجريم الوطنية أهم السبل لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب

قام المنتظم الدولي بترسيخ دعائم النظام العالمي الجديد في شتى المجالات وعلى كافة الأصعدة، وذلك بفرض قواعد سياسية واقتصادية واجتماعية تهدف إلى ترسيخ حرية انتقال الأفراد والسلع، بهدف تحقيق النمو والتقدم في شتى بقاع العالم، إلا أن هذه القواعد تم استغلالها بشكل سلبي من طرف الجماعات الإجرامية، التي طورت من نشاطاتها ووسعت من نطاق أعمالها غير المشروعة، ورسخت روابط التعاون مع أقرانها في مختلف بقاع العالم، حتى صارت الجرائم التي ترتكبها تهدد استقرار وأمن وسلامة المجتمع الدولي كافة.

ولعل من أهم الجرائم المستحدثة نسبيا والتي تطورت بشكل ملحوظ، نذكر جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي جرائم خطيرة أصبحت تهدد الاقتصاد والأمن والسلم والاستقرار في العالم، وتنذر بكوارث لا حصر لها في شتى المجالات، إذ تجلب عمليات غسل الاموال العديد من المخاطر سواء على مستوى الاقتصاد القومي او على مستوى القطاع المالي والعمليات المالية، كما أن لها العديد من الآثار السلبية على الناحيتين السياسية والاجتماعية. وتؤدي عمليات تمويل الإرهاب الى تداعيات خطيرة، تتمثل في تمويل المنظمات الإرهابية وفرادى الإرهابيين، مما يؤدي الى المزيد الأنشطة الإرهابية التي تتسبب بدورها في ترويع السكان الآمنين وتهديد الأمن العام، كما لها آثار وخيمة على الاقتصاد وعلى المجتمع. ولا تتوقف المخاطر الناجمة عن الجرائم اعلاه عند الحدود الوطنية للدول المعنية بها، بل تتعداها لتؤثر على دول عدة في العالم، وهذا ما انتبه إليه المنتظم الدولي، وحاول مواجهة الجرائم موضوع الدراسة بمجموعة من الجهود والمساعي من اجل وضع سياسـة جنائيـة دولية متكاملـة العناصر لقمعها ومكافحتها، وذلك بإبرام اتفاقيات دولية ، وخلق هيئات ومنظمات تروم التنسيق بين مختلف الجهود لتحقيق المكافحة المذكورة . وقد عملت الكثير من الدول على تجريم نشاط غسل الأموال وتمويل الإرهاب، في مسايرة منها لمختلف المواثيق الدولية ذات الصلة وبتوصيات وتوجيهات المنظمات والهيئات المعنية بمكافحة الجرائم الأنفة الذكر، إلا أن هذه الجهود سواء الدولية او الوطنية، لا تخلوا من نقائص واختلالات أدت الى استمرار أنشطة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في شتى بقاع العام، واستمرت معها الأضرار التي تلحقها بالمصالح والقيم المجتمعية التي تروم الجهود اعلاه حمايتها بتجريم الجرائم موضوع الدراسة.

IMG 20220613 WA0030

وقد قسمنا هذا الباب الى فصلين وفق ما يلي :

الفصل الأول: ركائز السياسة الجنائية الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

تطرقنا في هذا الفصل لدور المواثيق الدولية في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وقد تطرقنا بالتحليل والمناقشة للاتفقيات التالية :

  • وتمويل الإرهاب.
  • الإرهاب.

كما تطرقنا في نفس الفصل أعلاه للهيئات والمنظمات الدولية الهامة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ودورها في تحقيق هذه المكافحة وهي كما يلي :

الفصل الثاني: سياسة التجريم المعتمد عليها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في التشريع المغربي.

تطرقنا في هذا الفصل الى ما يلي :

إشكالية تجريم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وموقف التشريع المغربي، بحيث حاولنا الإحاطة بالمواقف الفقهية المختلفة حول مببرات تجريم غسل الأموال بين الضرورة والرفض، وموقف المشرع المغربي من هذا الاختلاف الذي انتصر طبعا للموقف الداعي الى التنصيص على نصوص قانونية خاصة لمكافحة غسل الأموال، بحيث بينا القيم المجتمعية التي يهذف المشرع المغربي الى حمايتها بتجريم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بحيث أن هذا التجريم لم يكن اعتباطيا ولا تجريما تضخميا، بل كان ضرورة ملحة لحماية مجموعة من القيم المجتمعية الجديرة بالحماية .

كما تطرقنا في نفس الفصل أعلاه، لنطاق تجريم غسل الأموال وتمويل الإرهاب في التشريع المغربي والمقارن، وذلك بالتطرق لكل ما يتعلق بسياسة التجريم التي ينهجها المشرع المغربي لمكافحة الجرائم موضوع الدراسة مع استحظار التجارب القانونية المقارنة والعمل القضائي، ثم النقاش الفقهي طبعا .

الباب الثاني: سياسة الوقاية وسياسة العقاب المعتمد عليهما لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالمغرب .

لا يختلف اثنان، على أن من موضوعات وفروع السياسة الجنائية – إلى جانب سياسة التجريم التي سبق التطرق إليها في معرض هذا البحث المتواضع- هناك سياسة الوقاية من الجريمة وسياسة العقاب، إذ لا يمكن تصور سياسة جنائية معاصرة متكاملة بدون وجود هذه الفروع والموضوعات الثلاثة، فبعد تجريم الظاهرة الإجرامية وإضفاء صفة عدم المشروعية عليها، يجب وضع مجموعة من الإجراءات لمنع ارتكاب الأفعال المجرمة، وإذا لم تفلح الإجراءات الوقائية لمنع ارتكاب الأنشطة غير المشروعة، عندها يتم اللجوء إلى سياسة العقاب، لزجر المخالفين ومحاولة إصلاحهم وتهذيبهم لكي لا يعودوا إلى ارتكاب نفس الأنشطة المجرمة، ثم تحذير غيرهم ولو بشكل غير مباشر. وهنا يظهر الطابع التكاملي للسياسة الجنائية بصفة عامة بين مختلف فروعها، الذي يعتبر من متطلبات وضروريات تحقيق إستراتيجية جنائية فعالة لمكافحة الإجرام.

الفصل الأول: سياسة الوقاية المعتمد عليها لمنع جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالمغرب.

تطرقنا في هذا الفصل بالتفصيل الى الأشخاص الخاضعين للقانون رقم 43.05 وأهم الالتزامات الملقاة على عاتقهم للوقاية من غسل الأموال وتمويل الإرهاب . كما تطرقنا لكل ما يتعلق بإنشاء وحدة معالجة المعلومات المالية ودورها في مكافحة الجرائم موضوع الدراسة، ثم حاولنا تحليل ودراسة مسألة حماية الفاعلين في الوقاية من الجرائم المذكورة، وأهم العقبات التي تقف امام سياسة الوقاية التي ينهجها المشرع المغربي بصفة عامة، مع استحظار التجارب المقارنة في كل هذه النقاط وبعض النقاشلت الفقهية بخصوصها.

الفصل الثاني: سياسة العقاب المعتمد عليها لزجر مرتكبي جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالمغرب.

تعتبر سياسة العقاب – كما سبق الذكر- من أهم موضوعات السياسة الجنائية المعاصرة، ويتجلى دورها في رسم المبادئ التي يتوقف عليها تحديد العقوبات وتطبيقها وتنفيذها، وتحديد العقوبات يأتي مكملا للدور الذي تقوم به سياسة التجريموسياسة الوقاية لمنع ارتكاب الجريمة من أساسها.

ومن المعلوم أن السياسة العقابية ترتبط تمام الارتباط بسياسة التجريم، ويتجلى هذا الارتباط في كون القاعدة العقابية تشتمل على شقين، يتمثل أولها بالتكليف بسلوك اجتماعي معين، أما الثاني فيتجلى في تقرير جزاء جنائي يترتب على مخالفة التكليف المذكور وهو العقوبة، فكل من السياستين تكمل الأخرى ولا قيام لإحداها دون الأخرى.

وإلى جانب ما ذكر أعلاه،  فالتجريم يعني – كما مر بنا-  إضفاء الحماية الجنائية على مجموعة من القيم والمصالح المجتمعية، ومن المعلوم أن من بين طرق التعبير عن هذه الحماية، إقرار الجزاء الجنائي الذي يرتبه المشرع على كل من تسول له نفسه انتهاك القيم والمصالح اعلاه، إذ تعتبر العقوبة من أهم وسائل السياسة الجنائية في مكافحة الإجرام، وتوقَع على المسؤول عن الجريمة، حيث يتعدى هدفها إيلام المحكوم عليه إلى المنع الذي ينتظره المجتمع من توقيع الجزاء الجنائي، فتطبيق التشريع العقابي وفق سياسة جنائية معاصرة المنع العام، وذلك بصرف الأفراد عن محاكاة المجرم الذي طبق عليه، والتي بدورها (العقوبة) تؤدي وظيفة ما اصطلح عليه بالردع الخاص، شريطة أن تدفع المحكوم عليه إلى عدم تكرار الجريمة.

 ولذلك يجب على واضعي سياسة التجريم، أن يدركوا مضمون الجريمة ومدى خطورتها ونوعها، حتى يعبروا أحسن تعبير عن نطاق التجريم،  وهو ما يدفعنا الى التساؤل عن مدى كون العقوبة التي خصصها المشرع المغربي لمعاقبة مرتكبي جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب تتناسب وخطورة أفعالهم على المجتمع وقيمه ومصالحه المحمية بالتجريم أم لا ؟

IMG 20220613 WA0018

وحسب رأينا المتواضع، فلا يمكننا الحديث عن السياسة العقابية دون تبيان المسؤولية الجنائية عن الجرائم أعلاه، والمراحل التي تمر منها الدعوى الجنائية في هذا النوع من الجرائم إلى صدور الحكم بالإدانة، وبعد ذلك تتأتى لنا مشروعية الحديث عن العقوبة وأبعادها ؟ وهو ما يحتم علينا  ضرورة دراسة وتحليل مسألة تحريك المتابعة وممارستها في هذا النوع من الجرائم، وكذا تحديد المسؤولية الجنائية عنها وأهم موانع هذه المسؤولية في الجرائم المذكورة، وما يستتبع ذلك من تحديد الاختصاص النوعي والمكاني للبث فيها، والسلطات المخولة للنيابة العامة وقضاء التحقيق وهيئة الحكم لمواجهتها وهو ما تطرقنا له في المبحث الأول من الفصل اعلاه، وبعد ذلك حاولنا التطرق بالدراسة والتحليل لأهم العقوبات المرصودة لمكافحة الجرائم المذكورة وأهم الظروف المؤثرة فيها في المبحث الثاني. مع التركيز طبعا على المقتضيات التي تتميز بها الجرائم موضوع الدراسة، مما يقتضي عدم التطرق للعموميات في النظام الجنائي المغربي، مع ضرورة استحضار القانون المقارن في هذا الإطار، ولاسيما قوانين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا .

IMG 20220613 WA0044 1

خـــاتمــة

أشرنا في ختام هذه الدراسة المتواضعة، إلى أن المشرع المغربي قطع أشواط كبيرة في مسار مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الارهاب. فبالرغم من جميع الانتقادات التي وجهناها له في هذا الاطار، فإن المشرع المغربي توفق إلى حد كبير في وضع سياسة جنائية مواكبة لعدد كبير من المعايير الدولية لمكافحة الجرائم موضوع الدراسة، ونال في ذلك استحسان العديد من المنظمات والهيئات الفاعلة في هذا المجال.

 وقد سجلنا الخلاصات والنتائج العريضة والكبرى التالية بصفة عامة فيما يتعلق بموضوع هذه الدراسة المتواضعة، كخلاصات هامة للجواب على الاشكال المحوري المطروح في تقديم هذا البحث المتواضع، وتتلخص هذه الخلاصات والنتائج في ما يلي  :

  1. بخصوص المجهود الدولي لمكافحة الجرائم موضوع الدراسة، فإننا نسجل بارتياح كبير خلاصة هامة، مفادها أن جميع الدول والمنظمات الدولية، أصبحت واعية بشكل كبير بالمخاطر التي تشكلها جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب على كافة المستويات وعلى جميع الاصعدة، وأن الجهود التي بذلتها لمكافحة هذه الجرائم، سواء فيما يتعلق بالاتفاقيات الدولية الثنائية او متعددة الأطراف او فيما يتعلق بباقي المواثيق الدوليىة ذات الصلة أو فيما يخص خلق مؤسسات دولية هامة بمكافحة الجرائم أعلاه أو باهتمام مؤسسات موجودة أصلا بتحقيق هذه المكافحة، أصبحت تشكل مجتمعة سياسة جنائية دولية متكاملة الأركان والموضوعات لتحقيق المواجهة والمكافحة المرجوتين ضد الجرائم أعلاه، وأصبحت تشكل معايير دولية دقيقة في هذا الاطار، يلزم على جميع الدول الاخد بها في سياساتها الجنائية الوطنية لمواجهة الجرائم موضوع البحث، بالرغم من بعض النواقص الطبيعية الملازمة لكل عمل انساني .
  2. المشرع المغربي يتوفر على ترسانة قانونية مهمة، استطاع من خلالها رسم سياسة جنائية معاصرة ومواكبة لاهم المعايير الدولية لمكافحة ومحاربة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ولكنها تبقى مفتقدة في الكثير من مقتضياتها للفعالية والناجعة والمصداقية، فيما يتعلق منها بمكافحة غسل الاموال .
  3. المشرع المغربي قطع أشواط مهمة في سياسته الجنائية الرامية لمكافحة جرائم الإرهاب بصفة عامة وجريمة تمويله بصفة خاصة، وأصبح نموذجا في هذا الاطار على الأقل إقليميا، إذ استطاع بناء سياسة جنائية معاصرة وفعالة وناجعة لمكافحة هذا النوع من الجرائم.
  4. بالرغم من مواكبة المشرع المغربي لأهم المعايير الدولية ذات الصلة بمكافحة غسل الأموال، ونجاحه في رسم سياسة جنائية عصرية في هذا الصدد، إلا أنه لم ينجح بعد في تحقيق فعالية ونجاعة هذه السياسة وتحقيق مصداقيتها، نظرا للتفعيل الضعيف لهذه السياسة على ارض الواقع . ذلك أن المغرب لم يتوفق بعد في تطبيق منظومته التشريعية التي يتوفر عليها لمكافحة غسل الاموال، وبالتالي عدم تحقيق الأهداف المنشودة من وراء وضع هذه المنظومة.
  5. إن القيم المجتمعية التي يروم المشرع المغربي حمايتها بتجريم غسل الأموال وتمويل الإرهاب لازالت منتهكة، ولو أن هناك تفاوت فيما يتعلق بتلك المرتبطة منها بغسل الأموال – التي لازالت منتهكة بشكل أكبر- وتلك المتعلقة منها بتمويل الإرهاب التي تعرف انتهاكا واعتداء اقل درجة. نظرا للتفاوت المسجل من خلال هذه الدراسة المتواضعة على تطبيق السياسة الجنائية المغربية على ارض الواقع، بحيث أنها تطبق بشكل كبير فيما يتعلق بتمويل الإرهاب، بيد أن تطبيقها يبقى ضعيفا فيما يتعلق بغسل الأموال .

وإذا كانت هذه الدراسة المتواضعة قد وقفت على العديد من الاختلالات في سياسة المشرع المغربي التي ينهجها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب، فما بالك لو تم تحليل هذه السياسة بدراسة ميدانية من طرف المختصين والمهتمين من رجال القانون والاقتصاد، لا شك أنهم سيجدون نواقص أكثر مما وقفنا عليه في هذه الدراسة المتواضعة.

 ومن أجل معالجة النواقص والاختلالات التي شخصتها هذه الدراسة المتواضعة على الأقل، لتقوية جهود المغرب في مواجهته لتمويل الإرهاب وتجاوز نواقص مكافحة غسل الأموال، نقترح ما يلي :

  1. ضرورة تفعيل القانون رقم 05-43  من طرف جميع المعنيين بتفعيله، سواء المؤسسة القضائية أو القطاعات الحكومية المعنية أو وحدة معالجة المعلومات المالية أو سلطات الرقابة والإشراف أو الأشخاص الخاضعين بشتى انواعهم وفي جميع المجالات، تفعيلا تطبيقيا على ارض الواقع، يؤدي الى تحقيق أغراض واهذاف القانون أعلاه .
  2. ضرورة التنصيص على ما جاءت به اتفاقية فيينا بخصوص إثبات القصد الجنائي في جرائم غسل الأموال، بشكل يساهم في تحقيق المكافحة المرجوة من هذا النوع من الجرائم .
  3. توضيح الأشخاص الخاضعين لرقابة كل سلطة من سلطات المراقبة والإشراف المنصوص عليها في القانون رقم 05-43 .
  4. إعادة النظر في تجريم فعل تقديم المشورة كصورة أصلية في جرائم غسل الأموال.
  5. ضرورة إخضاع وحدة معالجة المعلومات المالية للسلطة القضائية، أي الأخذ بالنموذج القضائي في تنظيم هذه الوحدة .
  6. تحديد مؤشرات الاشتباه التي تحتم على الأشخاص الخاضعين عند توفرها في أي مبلغ أو عملية او محاولة القيام بعملية  تقديم التصريح بالاشتباه بشأنها للوحدة.
  7. اعتماد الأسلوب المطلق في تحديد الجرائم المصدر لجرائم غسل الأموال.
  8. تحديد وبدقة مركز ودور بنك المغرب في السياسة الجنائية المعتمد عليها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب.
  9. ضرورة التنصيص على تجديد جميع كوادر الوحدة وأعضائها باستمرار.
  10. ضرورة تحقيق التكامل بين مختلف السياسات العمومية والسياسة الجنائية لمكافحة جرائم غسل الأموال، مع ضمان تكامل هذه الأخيرة مع السياسات الجنائية المعتمدة لمكافحة الجرائم المصدر للجرائم المذكورة .
  11. ضرورة إعادة النظر في الاختصاص المكاني للبت في جرائم غسل الأموال وعدم إعطائه لمحاكم الرباط لوحدها .
  12. ضرورة تقرير المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي على جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتحديد شروط قيام هذه المسؤولية بشكل سليم .
  13. ضرورة إعطاء السلطة التقديرية للمحكمة في الاختيار بين العقوبات المالية والعقوبات السالبة للحرية في المعاقبة على جرائم غسل الأموال حسب ظروف كل قضية .
  14. ضرورة إضافة الإشارة في المادة 25 من القانون رقم 05-43  الى المادة 13 من نفس القانون أو حذف الإشارة إلى المادة 9 من نفس القانون في المادة 25 المذكورة، وبالتالي الاكتفاء بالتنصيص على عدم إمكانية متابعة الأشخاص الخاضعين بمقتضيات المحافظة على السر المهني، بسبب المعلومات التي يقدمونها بحسن نية للوحدة أو سلطات المراقبة والإشراف تنفيذا لالتزاماتهم المحددة في القانون رقم 05-43 .
  15. ضرورة تنظيم مسألة تخصص القضاة المكلفين بالنظر في قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتنزيله هذا الواقع العملي .
  16. تقييد حق النيابة العامة بإقامة الدعوى العمومية في جرائم غسل الأموال بورود مذكرة لإحالة هذه الجرائم إليها من طرف وحدة معالجة المعلومات المالية، وإلزام النيابة العامة عند اكتشافها لجرائم من هذا النوع بإحالتها على الوحدة .
  17. تنظيم كيفية تنفيذ عقوبة المصادرة، عندما تكون الأموال القدرة المراد مصادرتها مختلطة بأموال مشروعة .
  18. ضرورة التنصيص على نشر المقررات الصادرة بالإدانة في الجرائد الأكثر بيعا في المغرب و الجرائد الالكترونية الأكثر تصفحا من طرف المغاربة، لتحقيق هدف هذه العقوبة.
  19. ضرورة التنصيص على عقوبات إضافية أخرى لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب من بينها عقوبة التجريد من الحقوق الوطنية .
  20. ضرورة الأخذ بعين الاعتبار خطورة وعقوبة الجريمة الأولية عند المعاقبة على جرائم غسل الأموال، بحيث يكون هناك تناسب بينهما .
  21. إعادة صياغة العذر المعفي المنصوص عليه في الفصل 7-574 من م.ق.ج، بشكل يشجع الجناة عن التبليغ على الجرائم موضوع الدراسة أو تحديد الحدود الفاصلة بين وقوع الجريمة ومرحلة ما قبل وقوعها


مشاركة