بقلم عزيز بنحريميدة
في الوقت الذي اعتاد فيه بعض المتربصين أن يجعلوا من القضاء مطيّة، ومن المحاكم أسواقًا خفية للمساومات، برز اسم عبد المجيد منصف، الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالناظور، كعنوان صريح لمرحلة جديدة لا مكان فيها للفساد ولا هوامش للرشوة ولا تسامح مع العبث بحقوق المتقاضين.
منذ تحمّله مسؤولية رئاسة الدائرة الاستئنافية بالناظور، اختار الرجل طريقًا واضحًا لا لبس فيه: الإصلاح أولًا، والنزاهة قاعدة، وتخليق العدالة خط أحمر. خيارٌ لم يَرُق لشبكاتٍ ألفت الاشتغال في العتمة، وانتعشت لسنوات من خلال التواطؤ، والسمسرة، وتبادل المصالح غير المشروعة. فكان الردّ المتوقع: محاولات ترغيب بائسة، إغراءات مرفوضة، ثم ترهيب رخيص عبر التشويش ونشر الإشاعات.
لكن ما لم يدركه خفافيش الظلام، أن عبد المجيد منصف قاضٍ خبر دهاليز المهنة، ويعرف جيدًا أن مقاومة الفساد لا تُخاض بالارتجال، بل بالصبر والحكمة والتبصّر. يدرك أن النجاح في تنظيف المرفق القضائي له ثمن، وأن كل خطوة إصلاح تُزعج من اعتاشوا على الفوضى. لذلك لم ينجرّ إلى المعارك الجانبية، ولم يسمح للتشويش أن يُربك بوصلته، واضعًا نصب عينيه غاية واحدة: حماية حقوق المتقاضين وصون هيبة القضاء.
لقد انتهى زمن “كلشي دايز”. انتهى عهد الملفات التي تُقضى خارج القاعات، والأحكام التي تُفصَّل على المقاس، والمسارات القضائية التي كانت تُدار من خلف الستار. ما يجري اليوم بالناظور هو قطعٌ نهائي مع ماضٍ مظلم، ورسالة واضحة بأن القضاء ليس غنيمة، وأن المحاكم ليست مجالًا للاستثمار غير المشروع.
لتبقى الرسالة واضحة لكل فاسد : لن تُخيفوا من اختار الوقوف في صف القانون.
لن تُغروا من باع ضميره منذ زمنٍ بعيد للعدالة وحدها.
ولن تعودوا إلى ما كنتم عليه… لأن زمنكم انتهى.
إن ما يقوم به الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالناظور ليس بطولة فردية بقدر ما هو ترجمة عملية لإرادة دولةٍ قررت أن تجعل من تخليق العدالة خيارًا لا رجعة فيه. وهو مسار، وإن أزعج المتضررين، فإنه يُعيد الثقة للمواطن في قضاءٍ يُفترض أن يكون ملاذه الأخير.
اليوم، الرسالة وصلت، والمرحلة تغيّرت، والرهان واضح: إما قضاء نظيف يُحتكم إليه، أو لا مكان لأحد داخل منظومة العدالة.
أما خفافيش الظلام، فمكانها الطبيعي… خارج ضوء القانون

