يشكل تنظيم المغرب لنهائيات كأس الأمم الإفريقية 2025 محطة مفصلية تتجاوز بعدها الرياضي والتنظيمي، لتتحول إلى رهان اقتصادي وسياحي واستثماري واسع، يعكس اختيار المملكة لكرة القدم كأداة تأثير ناعمة ورافعة للتنمية وبناء الصورة الدولية. فالرهان المغربي لا يقتصر على إنجاح التظاهرة قاريا، بل يمتد إلى استثمارها لتعزيز الاقتصاد الوطني، وتحفيز النمو، وترسيخ موقع المغرب كفاعل محوري في الاقتصاد الرياضي الإفريقي.
وتجمع التقديرات على أن استضافة “الكان 2025” ستحمل آثارا اقتصادية إيجابية ملموسة، خاصة على مستوى السياحة، والاستثمار في البنيات التحتية، والنقل، والإشهار، والعائدات المالية المباشرة وغير المباشرة، بما يجعل من البطولة محفزا حقيقيا لإنعاش الاقتصاد الوطني في مرحلة دقيقة من التحولات الإقليمية والدولية.
وينظر إلى كأس أمم إفريقيا بالمغرب باعتبارها فرصة استثنائية للترويج للمملكة كوجهة سياحية قادرة على احتضان كبريات التظاهرات الرياضية العالمية، خصوصا في ظل التغطية الإعلامية الواسعة التي ترافق الحدث، وما يصاحبها من حملات ترويجية دولية. كما تمثل البطولة اختبارا عمليا قبل استضافة كأس العالم 2030، وربما كأس العالم للأندية، وهو ما يمنح المغرب زخما إضافيا لتعزيز صورته وتنمية قطاع السياحة الرياضية.
وتأتي هذه التظاهرة في فترة زمنية مواتية، حيث تتزامن مع عطلة نهاية السنة وأعياد الميلاد ورأس السنة، ما يتوقع أن يضاعف من حجم الإقبال السياحي، خاصة من أوروبا. وتشير المعطيات الأولية إلى طلب قياسي على تذاكر المباريات، خصوصا مباريات المنتخب المغربي، ما ينعكس مباشرة على نسب الإيواء، وحركية النقل، وانتعاش القطاعات المرتبطة بالسياحة والخدمات.
وتدعم هذه التوقعات الأرقام المحققة خلال سنة 2025، حيث سجل القطاع السياحي المغربي قفزة غير مسبوقة، بعائدات ناهزت 113 مليار درهم من العملة الصعبة خلال الأشهر العشرة الأولى فقط، متجاوزة حصيلة سنة 2024 كاملة. كما استقبل المغرب خلال الفترة ذاتها حوالي 16.6 مليون سائح، بارتفاع يفوق 14 في المائة، مع انتعاش الأسواق التقليدية وتوسع ملحوظ في أسواق جديدة، ما يعزز مكانة السياحة كأحد أعمدة الاقتصاد الوطني.
إلى جانب السياحة، يعول المغرب على كأس إفريقيا كرافعة لتسريع وتيرة الاستثمار في البنيات التحتية، في إطار رؤية استراتيجية تمتد إلى ما بعد 2025. فقد تم تخصيص استثمارات ضخمة تناهز 150 مليار درهم لتطوير الملاعب، والمطارات، وشبكات الطرق والنقل، في انسجام مع متطلبات التنظيم القاري والعالمي، مع اعتماد مقاربة تمويلية تقوم على الاستدامة والشراكات، دون إثقال كاهل الميزانية العامة.
وتسهم هذه المشاريع في تحفيز النمو الاقتصادي، وخلق فرص الشغل، ودعم المقاولات الوطنية، خاصة الصغرى والمتوسطة، فضلا عن تحسين جاذبية المغرب للاستثمارات الأجنبية، وتعزيز قدراته اللوجستية والإدارية. كما ينتظر أن تترك هذه الاستثمارات إرثا دائما يخدم الاقتصاد الوطني على المديين المتوسط والطويل.
وعلى مستوى التدفق الجماهيري، تشير المؤشرات إلى إقبال غير مسبوق، حيث سجلت منصات بيع التذاكر أرقاما قياسية، مع حجز مشجعين من أكثر من 135 دولة لمقاعدهم، وبيع مئات الآلاف من التذاكر في أيام قليلة. ويتوقع أن يستقبل المغرب ما بين نصف مليون ومليون زائر أجنبي خلال فترة البطولة، ما قد يدر عائدات تتراوح بين 8 و10 مليارات درهم، من خلال الإقامة، والنقل، والمطاعم، والخدمات المختلفة.
ويرى محللون أن هذا التدفق الجماهيري، المدعوم بالقدرة الشرائية لزوار قادمين من دول ذات دخل فردي مرتفع، سيشكل دفعة قوية للنشاط التجاري والسياحي في المدن المضيفة، مع أثر اقتصادي يتجاوز زمن البطولة نفسها، ليسهم في ترسيخ مكانة المغرب كقطب سياحي ورياضي إقليمي.
وفي المحصلة، لا تمثل كأس أمم إفريقيا 2025 مجرد منافسة كروية، بل فرصة اقتصادية شاملة تتجاوز المستطيل الأخضر، تعكس طموح المغرب في توظيف الرياضة كرافعة للتنمية، وتعزيز حضوره الدولي، وتحقيق مكاسب مالية وتنموية غير مسبوقة في تاريخ التظاهرات القارية.

