بقلم عزيز بنحريميدة
قليلون هم الذين استطاعوا أن يجمعوا بين صرامة القانون وحرية الإبداع، وبين هدوء قاعات الجلسات ونبض اللوحة التشكيلية. الأستاذ حميد فرح واحد من هذه الاستثناءات النادرة؛ قاضٍ مغربي شق مساره داخل المؤسسة القضائية بتأنٍ ومسؤولية، وفي الوقت نفسه فنان تشكيلي حافظ على صلته العميقة بالجمال واللون.
بدأ الأستاذ حميد فرح مسيرته في النيابة العامة، حيث راكم تجربة ميدانية دقيقة في تدبير الدعوى العمومية، قبل أن ينتقل إلى القضاء الجالس، جامعًا بذلك بين زاويتي الاتهام والحكم، وما يتيحه ذلك من فهم متوازن لوظيفة العدالة ورسالتها. هذه الازدواجية المهنية منحته رؤية شمولية لمسار القضايا، وجعلت مقاربته للنزاعات أكثر إنصافًا وعمقًا، تقوم على احترام النص القانوني واستحضار أبعاده الإنسانية.
ولا يقتصر تميّز الأستاذ حميد فرح على مساره المهني فقط، بل يمتد إلى علاقته الراقية بمحيطه القضائي، حيث يُجمع زملاؤه ومرتفقو العدالة على دماثة أخلاقه، وحسن تواصله، واحترامه العميق لقيم الزمالة والعمل الجماعي. حضورُه داخل المحكمة يتسم بالهدوء والاتزان، ويعكس وعيًا بأن العدالة لا تُمارَس فقط بالأحكام، بل أيضًا بالسلوك اليومي والاحترام المتبادل.
ويولي الأستاذ حميد فرح عناية خاصة للبذلة القضائية، باعتبارها رمزًا لهيبة القضاء واستقلاله، فيرتديها بما يليق بمكانتها، محافظًا على تقاليدها وقيمها. كما أن أناقة مظهره ليست تفصيلاً عابرًا، بل امتدادٌ لاحترامه للمؤسسة القضائية ولصورته كقاضٍ يُدرك أن الشكل، حين يكون منضبطًا، يعكس الجوهر ويعزّز الثقة في العدالة.
وخارج أسوار المحكمة، لا يتخلى القاضي الفنان عن شغفه بالرسم والفن التشكيلي. ففي أعماله، تحضر ملامح الإنسان، وأسئلة العدالة، وتوترات الواقع، بلغة لونية هادئة أحيانًا وجريئة أحيانًا أخرى. فنّه ليس ترفًا بصريًا، بل تعبير صامت عن قناعات رجل يؤمن بأن العدالة في جوهرها قيمة إنسانية قبل أن تكون نصوصًا قانونية.
هكذا يقدّم الأستاذ حميد فرح نموذجًا لقاضٍ مثقف، متوازن، وأنيق في سلوكه ومظهره، يرى في الفن امتدادًا للأخلاق القضائية، وفي القضاء رسالة سامية لا تنفصل عن الحس الجمالي، والوعي الثقافي، والاحترام العميق للإنسان والمؤسسة.

