بقلم: حبيل رشيد.
قال الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور يوماً: “قوة الدولة تُقاس بقدرتها على حماية مواطنيها دون أن تفقد روحها”. ومن هذا المدخل النادر في صياغته، العميق في دلالاته، ينفتح الحديث عن رجل استطاع أن يجعل من الأمن المغربي مؤسسة تستعيد روحها وتستبطن رسالتها في آن واحد؛ عبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني والمدير العام لمراقبة التراب الوطني، شخصية الحكامة الأمنية التي وسمت العام ببصمة لا تخطئها العين.
لا يتعلق الأمر بمسؤول إداري يؤدي مهامّه على نحو تقليدي، بل بفكرٍ يشتغل بمستويات لغوية متعدّدة داخل مفهوم الأمن نفسه؛ فثمة مستوى لغوي استراتيجي يضبط الإيقاع العام، ومستوى تنظيمي يمسك بمفاصل المرفق الأمني، ومستوى ميداني يترجم اليقظة إلى أفعال، ومستوى إنساني يبرهن أن الأمن خدمة عمومية قبل أن يكون بنية صلبة. هذه المستويات المتراكبة شكّلت معاً ما يمكن تسميته “معمار الحكامة الأمنية”، حيث لا تُترك التفاصيل للصدفة، ولا يُسمح للارتجال أن يقترب من القرار.
لقد أعاد حموشي صياغة مفهوم الأمن داخل الوعي الجماعي المغربي، لا عبر القوة الظاهرة فحسب، بل عبر صناعة ثقة مستدامة. فصورة الشرطي تغيّرت، والخدمات الأمنية تحسّنت، وآليات التواصل مع المواطن باتت أكثر احتراماً ونجاعة. التحول لم يكن زخرفاً عابراً، بل انبثق من رؤية تجعل من المؤسسة الأمنية جسداً واحداً، يتطوّر ويتجدّد مثل كائن حيّ يرفض الركود.
في زمن صارت فيه التهديدات متداخلة ومتقلبة، من الإرهاب إلى الجريمة المنظمة إلى التحديات الرقمية، برز نموذج أمني مغربي يجمع بين الرصانة الاستباقية والانضباط القانوني. ولم يأتِ هذا النموذج من فراغ، بل من وعي بأن الأمن ليس مجرد حصن، بل منظومة حكامة تحتاج إلى يقظة، وتدريب، وتخطيط طويل النفس، وقيادة تعرف كيف توازن بين متطلبات الحزم ومقتضيات احترام الحقوق.
إن بصمة عبد اللطيف حموشي ليست في التوجيهات الصارمة وحدها، بل في بناء مؤسسة تحيا بقيمها الداخلية؛ قيم المهنية، والصرامة، والشفافية، والمسؤولية. لقد أدخل الأمن المغربي إلى زمن الرقمنة، وربط العمل اليومي برؤية تحديثية تراهن على الجودة لا على الكمّ، وعلى الاحتراف لا على التلقائية. فالمرفق الأمني اليوم لم يعد فضاءً مغلقاً، بل غدا واجهة إصلاحية تتفاعل مع المواطن، وتستمع إليه، وتعيد تشكيل نفسها بناءً على حاجاته.
واللافت في مسار العام الماضي أن الجهاز الأمني، تحت قيادة حموشي، نجح في تعزيز حضوره الاستباقي وتحصين الجبهة الداخلية دون أن ينساق إلى عقلية الطوارئ الدائمة. فقد حافظ على توازن نادر بين اليقظة القصوى والهدوء المؤسساتي، بين السرية المهنية والنتائج المعلنة، بين صرامة الميدان وهدوء القرارات. وهذا التوازن ليس إنجازاً عابراً، بل نتاج حُسن تدبيرٍ يشتغل بمنطق البناء المتدرّج.
إن اختيار عبد اللطيف حموشي “شخصية الحكامة الأمنية” ليس مجرد لقب، بل قراءة في أثرٍ تركه الرجل في جسد الدولة. فقد أصبح الأمن المغربي اليوم مرجعاً في المنطقة، وتحوّل إلى نموذج دراسي في تقارير دولية، وتوطدت شراكات قوية مع أجهزة عالمية كبرى؛ وكل ذلك لم يكن ليحدث لولا عقلٍ يُحسن قراءة الزمن ويُتقن هندسة المؤسسات.
الأمن، في النهاية، ليس قيداً يُفرض على المجتمع، بل طمأنينة تُزرع في قلبه. وحين ينجح مسؤول في جعل المواطن يشعر بأن الجهاز الأمني يحميه دون أن يُثقل عليه، ويخدمه دون أن يرهبه، ويقترب منه دون أن يتخلّى عن صرامته، فذلك دليل على قيادة لا تتكرر كثيراً.
لهذا كله، يصبح الحديث عن عبد اللطيف حموشي بوصفه شخصية السنة ليس احتفاءً بشخص، بل اعترافاً بمسار، وتجربة، ورؤية، وبناء مؤسساتي أعاد للأمن المغربي مكانته وللوطن سكينته.

