الرئيسية أخبار وطنية المؤتمر الدولي بتازة : صناعة النص القانوني في قطاع الصحة

المؤتمر الدولي بتازة : صناعة النص القانوني في قطاع الصحة

IMG 20251206 WA0001
كتبه كتب في 6 ديسمبر، 2025 - 8:37 صباحًا

هناء أيتوتهن : دكتورة القانون الخاص أستاذة محاضرة بالمعهد العالي للمهن التمريضية وتقنيات الصحة بالرباط

من المسلم به، أن القانون ينطلق من وظيفة أساسية تتجلى في الوظيفة التنظيمية، فهو مصدر للأمن والنظام وآلية حمائية للحقوق بمختلف أنواعها ومجالاتها، وقوة ملزمة للواجبات والالتزامات.

ومن ثم جاءت فلسفة الاهتمام بصناعة التشريعات ودراسة أثرها وجودتها بدءا من توجهات الفلاسفة وما قضوا به كأفلاطون في كتابه “القوانين” ومونتيسكيو في كتابه روح القوانين”، وصولا إلى ربط العملية التشريعية اليوم بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية مواكبة للانخراط العالمي الفعال مع الأهداف المسطرة في استراتيجية التنمية المستدامة 2015-2030.

وهو الحال في مجال الصحة وما يعرفه هذا القطاع من أهمية وحيوية على عدد من الأصعدة، خاصة مع الاستراتيجيات والسياسات الوطنية الصحية التي أعادت هيكلة الخريطة المؤسساتية الصحية، ودمجت الرقمنة في قالب آليات اشتغالها، وجعلت العنصر البشري من مهني الصحة منطلق استثماراتها خاصة مع إصدار النص القانوني المتعلق بالوظيفة الصحية 09.22.

ومن ثم فصناعة النص القانوني في قطاع الصحة هو موضوع ذو أهمية قصوى لما للتشريع من دور في مواكبة ورش الإصلاحات التي عرفها قطاع الصحة ودور النص القانوني في تعزيز تنزيل السياسات العمومية الصحية على أرض الواقع. وتجاوز إشكال آثار الفراغ التشريعي وتضارب الاختصاص بالإضافة إلى مواكبة الالتزامات التشريعية على الصعيد الدولي والوطني.

وقد خلصت الدراسة المقدمة في هذا المؤتمر إلى أن :

الإشكال الراهن والبارز الوضوح اليوم ليس في إيجاد نصوص قانونية منظمة للقطاع فحسب، بل لابد أن تكون ملمة بأبعاده التنموية والإشكالات التي قد تعترض تحقيق ذلك.

و بقدر ما كانت مرحلة الصناعة التشريعية دقيقة ومراعية لأبعاد المجتمع وإشكالاته، حقق النص القانوني مرماه بالوصول إلى نص فعال الأثر وذو جودة.

أن الغاية الأساسية من صناعة القانون هو إيجاد إطار منظم لوضعية معينة أو إشكال يعاني منه المجتمع، وهو الحال في قطاع الصحة، الذي يقف عند زاويتين، الأولى تمثل فراغا تشريعيا وجمودا نصيا في تنظيم عدد من المظاهر الهامة بقطاع الصحة أولها مواردها البشرية، ذلك يضعف من فعالية تطوير قطاع الصحة، والثانية تعاكسها من زاوية طرح عدد من النصوص القانونية التي قاربت صياغتها الأبعاد المبلورة لتأهيل العرض الصحي.

إن الحاجة الملحة اليوم لإيجاد نصوص قانونية تنظم مهن الصحة تنطلق من مبدأ أساسي هو حماية الفاعلين في القطاع أثناء ممارسة مهامهم، خاصة مع ما يعرفه قطاع الصحة من وجوب توفر سرعة ومرونة في اتخاذ القرارات الطبية وتحمل المسؤولية الأخلاقية والمهنية، هذا يجعل العاملين في القطاع أمام عدد من الإشكالات في تحديد المهام وتفويض الصلاحيات بسبب وجود غياب الصياغة النص القانوني المنظم لذلك أو جموده لعدم صدور نصوص تنظيمية منظمة له. إذ أن الإشكال الأساسي الذي يعاني منه مهني الصحة بسبب عدم وجود جدد حدود اختصاصاتهم ومسؤولياتهم يجعلهم عرضة للمتابعات القضائية والمسؤوليات عددة، خاصة في إطار أنه في حالة الخطأ يتابع بكونه ملزم بالقيام بعمل تحت إشراف طبيب، وإذا امتنع عن القيام بالعمل بسبب غياب الطبيب يتابع بسبب امتناعه عن تقديم مساعدة لشخص في حالة خطر. والتي يزيد من حدة هذا الخطر الذي يتعرضون له في ممارسة مهامهم هو ضعف الثقافة القانونية وندرة التكوينات القانونية لهم لمعرفة على الأقل ما عليهم من التزامات ومالهم ومن حقوق. وإن كان نص قانون رقم 09.22 المتعلق بالوظيفة الصحية في المادة 14 جاء واضحا بأن مهني الصحة يخضعون لتأهيل مستمر، وأن صناعته جاءت وفق الحاجة إلى بلورة وتثمين موارد القطاع، غير أن تنزيله يقتصر على التكوينات التقنية وذات العلاقة بمجالات الصحة.

إن خصوصية مجال الصحة النفسية وحساسية طبيعته وسرية معلوماته وتأثيرها على حياة الفرد واستقرار المعاملات، يجعل غياب النص القانوني المنظم لهذا المجال عرضة لفوضى التدبير وشروط ممارسة المهنة وتقديم الاستشارة النفسية، خاصة في إطار ما يعرفه مجال وسائل التواصل الاجتماعي نتيجة عدم حكامة ممارسة المهن الالكترونية وعدم عقلنتها، وتقديم استشارات صحية نفسية ممن هم ليسوا من ذوي الصفة والكفاءات وغياب تكوين أكاديمي مما قد يضر بمصداقية المهنة وبتشتت المواطن في الوصول إلى سبل العلاج.

أن النص القانوني الصحي واكب الورش العالمي لاعتماد أنظمة الذكاء الاصطناعي، حيث أضحى الحديث عن أنظمة الذكاء الاصطناعي محط اهتمام كافة الدول، وعلى مستوى جميع القطاعات، بل صار اعتبار أن عدم مواكبة هذا الطرح العالمي بمثابة نقطة من نقاط عجز المنظومة. غير أن المحاسن العديدة للصحة الرقمية قد يشوبها تهديدات معلوماتية. مما تحتاج أن تواكب بإطار حمائي قانوني يضع قواعد وإجراءات العمل بهذه الرقمنة، وهو ما نلمسه جليا من خلال الصناعة التشريعية للنصوص القانونية في إطارها العام كقانون حماية المعطيات الشخصية وقانون الأمن السيبراني. كما خصص المشرع الباب الثامن من القانون رقم 06.22 المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية لرقمنة المنظومة الصحية من خلال المادتين 28 و 29.

إن تجاوز الوقوف عند غاية تحقيق الأمن الصحي للوصول إلى تحقيق مبدأ سيادة صحية بمفهومها الشامل، هو المرمى الذي تهدف إليه جل الدول لبلورة مفهوم الحماية الاجتماعية وتعميمه وبنائه على أسس متينة وهو الحال الذي صارت عليه غاية المشرع المغربي في صناعة النص القانوني الصحي. ذلك أن التبعية في أي مجال من شأنها إضعاف ورش إنجاحأي جهد مبذول، فالتعاون والتضامن في إطار العلاقات الاتفاقية محمود، ولكن ذلك مع الحفاظ والعمل على تقوية الاستقلالية الصحية والاكتفاء الذاتي. إذ تساهم السيادة الصحية في الوقاية من المخاطر الصحية، لاعتبارها آلية فعالة للتصدي للأزمات الصحية، وهو ما يتماشى مع ما قضت به المادة 2 من قانون الحماية الاجتماعية 09.21 بأن من بين ما تشمله الحماية الاجتماعية هو الحماية من مخاطر المرض.

مشاركة