الرئيسية غير مصنف الاعتذار فضيلة… حين تنتصر الأخلاق على لحظة الغضب

الاعتذار فضيلة… حين تنتصر الأخلاق على لحظة الغضب

IMG 5367
كتبه كتب في 27 نوفمبر، 2025 - 3:59 مساءً

صوت العدالة

إن الاعتراف بالخطأ ونشر الاعتذار العلني ليس ضعفاً ولا تراجعاً، بل هو أسمى تعبير عن نبل المواقف وسمو الأخلاق المهنية، ورسالة قوية مفادها أن الخلاف لا يجب أن يتحول إلى قطيعة، وأن الكلمة المسؤولة قادرة على رأب الصدع قبل أن يتسع

يخرج الاعتذار الصريح ليعيد للفضيلة معناها، وللأخلاق هيبتها، وللكلمة مسؤوليتها. الاعتذار ليس ضعفاً، بل هو أقوى أشكال القوة، لأنه إعلان شجاع بأن الخطأ وقع… وأن الاستمرار فيه خيانة للقيم قبل أن يكون إساءة للأشخاص.

لقد كان اعتذار خالد الجري فعلاً نبيلاً في وجه موجة من التهييج المتعمد والاصطياد الرخيص في المياه العكرة. لم يكن تراجعاً، بقدر ما كان وقفاً حازماً لنزيف العبث، وصفعة أخلاقية لكل من حاول تحويل لحظة انفعال إلى قطيعة مصطنعة بين الصحافة والمحاماة.

فأي منطق هذا الذي يريد أن يجعل من كلمات قيلت في لحظة توتر، داخل سياق مهني مغلق، وقوداً لحرب وهمية بين مهنتين تشتركان في الدفاع عن العدالة والحق؟ وأي ضمير هذا الذي يغذي الصراع بدل أن يطفئ نيرانه؟

إن أخطر ما في القضية ليس ما قيل، بل الطريقة التي حاول بها البعض الاستثمار فيه، بتغذية نار الفتنة، وتأجيج الصراع، ودفعه نحو مسارات انتقامية لا تليق برجال القانون ولا بحراس الكلمة.

الصحافة ليست عدوة المحامي، والمحامي ليس خصماً للصحافي. كلاهما يقف في الخندق ذاته، وإن اختلفت الأدوات. أما من يريد أن يزرع الشقاق بينهما، فهو لا يسعى إلى الحق، بل إلى الهدم، ولا يخدم العدالة، بل يتاجر بها.

لقد سدّ هذا الاعتذار الطريق أمام تجار الفتنة، وأربك أولئك الذين ينتعشون على النزاعات، ويبحثون عن أي شرارة لتحويلها إلى حريق شامل. وهو بهذا الموقف لم يعتذر فقط… بل أعلن موقفاً مبدئياً في زمن ندر فيه المبدأ.

فليكن واضحاً: لا الصحافة ستنجر إلى سوق الاستفزاز، ولا المحاماة ستسقط في فخ التصعيد المجاني. لأن الكرامة المهنية لا تقاس برفع الصوت، بل بعلو القيم.

ولمن ينتظرون سقوطاً أو تصعيداً جديداً، نقولها بوضوح: خاب مسعاكم. فالاعتذار طوى الصفحة، وضرب على أيدي المتربصين، وأعاد الأمور إلى نصابها الطبيعي: الاحترام المتبادل، والمسؤولية المشتركة، وخدمة الحقيقة بعيداً عن الشعبوية والضجيج.

إن لحظة الغضب لا يمكن أن تتحول إلى وصمة دائمة، ولا زلة عابرة إلى مشروع فتنة. ومن يحاول الإبقاء على الجرح مفتوحاً، فهو شريك في العبث، ومسؤول أخلاقياً عن كل تداعيات الانقسام.

اليوم، لا نحتاج إلى مزيد من الوقود، بل إلى رجال يطفئون الحرائق لا من ينفخون فيها. والاعتذار الذي قُدِّم كان خطوة شجاعة في الاتجاه الصحيح، وعلى الجميع أن يتحلّى بالمسؤولية ذاتها، لأن المعركة الحقيقية ليست بين صحافي ومحامٍ، بل بين الوعي والابتذال، بين الأخلاق والانحدار.

1fc498ad 782d 4dda 876a 8aa57a3f2011
727942cf 47a1 4e9d 9198 5fb719c21400
مشاركة