الرئيسية غير مصنف مسطرة جنائية جديدة برؤية حديثة: رئاسة النيابة العامة تكشف عن أكبر ورش إصلاحي يعيد رسم معالم العدالة الجنائية بالمغرب

مسطرة جنائية جديدة برؤية حديثة: رئاسة النيابة العامة تكشف عن أكبر ورش إصلاحي يعيد رسم معالم العدالة الجنائية بالمغرب

IMG 2403
كتبه كتب في 20 نوفمبر، 2025 - 5:22 مساءً

كشفت رئاسة النيابة العامة، من خلال منشور توجيهي مفصل، عن أهم المستجدات التي جاء بها القانون رقم 03.23 المتعلق بالمسطرة الجنائية، والذي يدخل حيّز التنفيذ في 8 دجنبر 2025، باعتباره إحدى أهم المحطات التشريعية في مسار تحديث منظومة العدالة ببلادنا.

المنشور، الموجه إلى قضاة النيابة العامة بمحكمة النقض ومحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية، يقدم قراءة شاملة للتعديلات التي مست مختلف مراحل الدعوى العمومية، من تلقي الشكايات والوشايات إلى تنفيذ المقررات القضائية، في انسجام تام مع التوجيهات الملكية السامية ومع متطلبات الدستور والالتزامات الدولية للمملكة.

● توسيع صلاحيات النيابة العامة وضمانات غير مسبوقة للحقوق والحريات

أكد المنشور أن النيابة العامة أصبحت مُلزمة باستحضار مبادئ أساسية في عملها، أهمها:

– المساواة أمام القانون

– ضمان المحاكمة العادلة

– حماية الضحايا والمشتبه فيهم

– تعزيز قرينة البراءة

– تدعيم حقوق الدفاع

كما عزز القانون الجديد اختصاصات النيابة العامة في مواجهة الجرائم المعاصرة، وجعل دورها أكثر مركزية في تتبع الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية، مع إحاطة العملية بضمانات دقيقة تحمي الأفراد وتضمن شفافية وحكامة المسار الإجرائي.

● تغييرات جوهرية في تدبير الشكايات والوشايات

من أبرز المستجدات:

– إلزامية القيام بتحريات أولية قبل فتح بحث بخصوص الوشايات مجهولة المصدر.

– تقييد فتح الأبحاث في الجرائم المتعلقة بالمال العام، بحيث لا يباشر البحث إلا بناء على إحالة من الجهات المختصة (المجلس الأعلى للحسابات، التفتيشيات العامة، الهيئة الوطنية للنزاهة…).

– توسيع واجب الإشعار للمشتكين والمحامين بشأن مآل الشكايات خلال أجل لا يتجاوز 15 يوماً.

– إحداث مسطرة للتظلم من قرار الحفظ لأول مرة، سواء أمام الوكلاء العامين أو أمام رئيس النيابة العامة.

● ضبط الأبحاث الجنائية وتحيين آليات الاشتغال

من المرتكزات الجديدة في مرحلة البحث:

– إمكانية إخضاع المشتبه فيه للمراقبة القضائية أثناء البحث وليس بعده فقط.

– تنظيم برقيات البحث بشكل دقيق لأول مرة عبر القانون.

– توسيع صلاحية النيابة العامة في الحجز التحفظي للأموال والممتلكات خلال الأبحاث المالية الموازية.

– تنظيم شامل لـ التفتيش الرقمي وحجز البيانات الإلكترونية وفق ضوابط دقيقة.

– تمكين الضابطة القضائية من الحصول على معطيات من مؤسسات عمومية وخاصة بإذن كتابي من النيابة العامة.

– اعتماد تقنيات الاتصال عن بُعد عند تمديد الحراسة النظرية.

– إلزام إشعار المشتبه فيه بحقه في حضور المحامي في حالات خاصة.

● تعزيز العدالة التصالحية وتوسيع بدائل المتابعة

القانون الجديد يجعل الصلح بديلاً حقيقياً للدعوى العمومية، ويوسع نطاقه ليشمل:

– جنح الضرب والجرح

– السرقة، النصب، خيانة الأمانة

– مجموعة واسعة من الجنح التأديبية

كما تم إقرار السند الإداري التصالحي، وتمكين الإدارات من اقتراح غرامات تصالحية في المخالفات والجنح المعاقب عليها بالغرامة فقط.

وتمت إضافة مرونة مهمة في مسطرة الأمر القضائي، التي أمست قابلة للتطبيق في جميع الجنح الغرامية دون سقف مالي محدد.

● مستجدات التحقيق الإعدادي والاعتقال الاحتياطي

ألغى القانون إلزامية التحقيق الإعدادي في الجنايات، باستثناء الحالات المنصوص عليها، مما سيُسهم في تخفيف العبء على قضاة التحقيق.

أما الاعتقال الاحتياطي، فقد خضع لثورة حقيقية:

– في الجنح: شهر واحد قابل للتمديد مرة واحدة فقط.

– في الجنايات: شهران قابلان للتمديد مرتين (6 أشهر كحد أقصى).

– في جرائم الإرهاب وأمن الدولة: يمكن التمديد إلى 12 شهراً.

كما تم تقليص مدد المراقبة القضائية بشكل كبير، مع إلزام النيابة العامة برفعها عند انتهاء آجالها القانونية.

● حماية خاصة للأحداث وتشديد الرقابة على ظروف التعامل معهم

القانون الجديد يرفع مستوى حماية القاصرين عبر:

– منع الاحتفاظ بهم أكثر من المدة الأصلية للحراسة النظرية دون تمديد.

– رفع سن عدم المتابعة إلى أقل من 12 سنة.

– منع إيداع القاصر بالسجن قبل 14 سنة في الجنايات و16 سنة في الجنح.

– إلزام النيابة العامة بزيارة الأحداث المودعين بالسجون أو مراكز الملاحظة شهرياً.

● طرق الطعن والتنفيذ الزجري: إصلاحات لتعزيز الأمن القانوني

– تعديل قواعد الإفراج المؤقت والطعن فيه.

– تمكين النيابة العامة من إدماج العقوبات السالبة للحرية.

– تنظيم محكم لكيفية احتساب مدد الاعتقال عند تعدد الأوامر بالإيداع.

– رفع الحد الأدنى للإكراه البدني إلى 8000 درهم.

– نقل صلاحية البت في رد الاعتبار القضائي إلى قاضي تطبيق العقوبات.

خلاصة

يكشف هذا المنشور أن المغرب يدخل مرحلة جديدة في مسار تحديث العدالة الجنائية، عنوانها:

حماية الحقوق – ترشيد الاعتقال – تعزيز الفعالية – محاربة الإفلات من العقاب – وتوسيع العدالة التصالحية.

القانون رقم 03.23 ليس مجرد تعديل جزئي، بل إصلاح شامل يؤسس لتحول بنيوي ينسجم مع رؤية المملكة في ترسيخ دولة القانون، وضمان عدالة ناجزة، ونيابة عامة حديثة، فعالة، وقريبة من المواطنين.

مشاركة