وليد بهضاض _ صوت العدالة
خلصت الندوة الوطنية المنعقدة يومه الخميس الماضي المصادف للثالث عشر من نونبر الجاري، في رحاب قاعة الجلسات بالمحكمة الابتدائية جرسيف، اللقاء العلمي المُنصب أساسا لمناقشة موضوع أراضي الجماعات السلالية من شتى الجوانب القانونية، تحت شعار “بين المستجدات التشريعية والعمل القضائي، نحو تعبئة عقارية لتحقيق التنمية والأمن العقاري”، بتنظيم من محكمة الاستئناف بتازة وهيئة المحامين بذات المدينة و شراكة مع الكلية متعددة التخصصات بتازة .
و من أبرز التوصيات التي جاءت بها مداخلات المشاركين في الندوة العلمية الهامة، العمل على إصدار مدونة قانونية شاملة تخص أراضي الجماعات السلالية، والتأكيد على إسناد مهام فض النزاعات المتعلقة بالعقارات السلالية الى قضاء حصري، مع تعديل المادة الخامسة، زيادة على تحديد الجهة المسؤولة عن التبليغ، لضمان سلاسة المسطرة القضائية، كما أكدت نفس التوصيات على ضرورة اللجوء الى الصلح والوساطة الودية للتقليص من نسب النازعات المعروضة على المحاكم .
وشدد اللقاء العلمي ، والذي ضم قضاة من مختلف درجاتهم ومناصبهم وأساتذة جامعيون ومحامون ونساء ورجال القانون المنتمون الى الدائرة القضائية بكل من إقليمي جرسيف وتازة، بحضور ممثلي السلطات المحلية الأمنية والعسكرية ، على ضمان الأمن العقاري وتعزيز الاجتهاد القضائي و توفير الحماية القانونية ضد كل أشكال التلاعب و التمييز مع الحرص على إدماج المرأة القروية، وتأهيل نواب أراضي الجماعات السلالية، وتمليك وكراء وتفويت العقارات لمن يستحق بشروط غير تعجيزية ، مع الإشارة الى الحكامة الجيدة ومبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة .
و باعتبار الأراضي السلالية عقارات شاسعة تساهم لا محالة في التنمية الإقتصادية والإجتماعية المغربية ، فقد أشارت الندوة الوطنية الى ضرورة تشجيع التعاونيات الفلاحية وتثمين منتوجها، والتنسيق بين الفلاحين الصغار والمؤسسات العمومية والخصوصية، ورصد برامج لدعم ومواكبة المشاريع الفلاحية لفائدة الشباب و تمكين المستفيدين من سكن لائق عن طريق احداث تجزئات سكنية في دوائرهم الترابية.
من أهم ما جاءت به مداخلات المشاركين، الحرص على توزيع الأراضي بشكل عادل ومنصف، و الوقوف بصرامة وحزم في وجه استغلالها بشكل غير قانوني او معيب، و تعميم الاستفادة على الجميع والقطيعة مع التمييز بين ابناء السلالة، و احداث بنك خاص بالاراضي السلالية لتمويل المشاريع الفلاحية ، سواء بالتفويت او الكراء بعد عرض المؤهلين على التكوين الفلاحي المعتمد ، وابرام وتنزيل اتفاقيات وشراكات ثلاثية بين الفلاحين والقطاعين العام والخاص .
وفي تصريح خاص للاستاذ رشيد العماري رئيس المحكمة الابتدائية بجرسيف ، أوضح أن موضوع الاراضي السلالية يكتسي طابعا بالغ الأهمية ، سواء من حيث الاشكاليات التي يطرحها او المستجدات القانونية والتشريعية باعتبارها قاطرة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية والأمن العقاري ، مضيفا كون إلتآم النخبة القانونية والقضائية والأكاديمية في هذه الندوة العلمية جاء لمناقشة المستجدات التشريعية والاجتهادات القضائية وما يتعلق بالعمل القضائي، لاستخلاص ما يمكن استخلاصه من توصيات وملاحظات يتم رفعها للسلطة القضائية قصد اعتمادها عند الاقتضاء .
ومن جهة الكلية متعددة التخصصات بتازة ، قال الدكتور “وديع الهامل” أن الاراضي السلالية تعتبر رصيدا عقاريا يساهم في التنمية الوطنية ، من حيث دعم استقرار المواطنين بالعالم القروي،تماشيا مع الرؤية الملكية، مشددا على ضرورة التدبير الأمثل والأنجع لهذه العقارات وتمكين الشباب منها بتسهيلات وضمانات و توفير الحماية القانونية حفاظا عليها من الهدر والتلف.
وجاءت هذه الندوة العلمية في ظرفية مهمة انبثقت فيها اشكالات عملية وقانونية وقضائية على شاكلة نزاعات حول اراضي الجماعات السلالية جراء التحول التشريعي،حيث شكل اللقاء فضاء علميا للتحليل والمناقشة بما يساهم ايجابا في ترسيخ الأمن العقاري من خلال توضيح الرؤى وتوحيد الممارسة بين الفاعلين والمتدخلين .
وتخللت الأمسية القانونية ثلاث جلسات علمية، فقد تم تخصيص الجلسة الافتتاحية لاستقبال المشاركين، والانصات للنشيد الوطني، وتلاوة ايات من القرآن الكريم، و الاستماع لكلمة للرئيس الأول لدى استئنافية تازة، تلتها كلمة الوكيل العام للملك لديها، إضافة الى كلمة نقيب هيئة المحامين وعميد الكلية متعددة التخصصات .
وتراس الأستاذ “حميد الشيباني” النقيب الممارس الجلسة العلمية الاولى، مرفوقا بالمقرر الأستاذ يونس الزعراوي عضو مجلس هيئة المحامين، حيث استهلها الاستاذ محمد الزناكي قاض لدى ابتدائية جرسيف، بمداخلة تحت عنوان “الاطار التشريعي والتنظيمي لأراضي الجماعات السلالية بين الرؤية الملكية ومستلزمات التنمية المستدامة، فيما عَنوَن الدكتور “مراد الدهام” استاذ القانون العام المداخلة الثانية بالاشكالات المرتبطة بالتصرفات الواردة على العقارات السلالية بين النص والتطبيق .
و كانت المداخلة الثالثة من عرض المحامي الاستاذ عبد الله عرود بعنوان ” دور المحامي في تأمين الحقوق العقارية المرتبطة بأراضي الجماعات السلالية، إشكالات الدفاع وآليات المواكبة، فيما اختتم زميله الأستاذ “حسن مرزو” الجلسة العلمية الاولى بمداخلة رابعة عنونها بمنازعات أراضي الجماعات السلالية بين القضاء الإداري والعادي ، قراءة العمل القضائي والإجتهادات الحديثة”.
وتم افتتاح الجلسة العلمية الثانية التي تحمل عنوان ” الأمن القضائي وأثره على الإستثمار في العقار السلالي” برئاسة رئيس المحكمة الإبتدائية الأستاذ رشيد العماري، الى جانبه كمقرر الأستاذ عادل فهمي الباحث في سلك الدكتوراه تخصص القانون الخاص، حيث كانت المداخلة الخامسة من تقديم المستشار الأستاذ عبد الرزاق الطوالي قاض لدى استئنافية تازة، بعنوان “النزاعات القضائية المتعلقة بأراضي الجماعات السلالية، قضايا التخلي نموذجا، فيما المداخلة السادسة انصبت حول الحماية القضائية للأراضي السلالية على ضوء مدونة التعمير، من إعداد القاض المقيم بمركز واد امليل الاستاذ أنور عشيبة .
وتحت عنوان ” الحماية الجنائية لأراضي الجماعات السلالية” كانت المداخلة السابعة من إلقاء الاستاذ أيوب الشمال قاض النيابة العامة نائب وكيل الملك لدى ابتدائية جرسيف، فيما تم اختتام الجلسة الثانية بمداخلة ثامنة من عرض الدكتور وديع الهامل أستاذ القانون العام بعنوان استثمار الشباب للعقارات السلالية في ضوء مخطط الجيل الأخضر ، تلتها مناقشة عامة وقراءة التقرير الختامي من طرف المقررة العامة الاستاذة كريمة الهواري .
وجدير بالذكر ، ان الندوة العلمية تميزت بقراءات قيّمة و مداخلات غنية، كما شهدت اقبالا لافتا من طرف نساء ورجالات القانون، أكاديميون وموظفون وقضاة ومحامون وطلبة باحثين والمهتمون بالشان القانوني والقضائي على مستوى اقليمي تازة وجرسيف، ووفقا لمصادر مضطلعة فإن اللجنة المشرفة تفكر في تنظيم ندوات علمية مستقبلية تهدف إلى ملامسة ومعالجة ما تبين لها من اشكالات نظرية و عملية .










