بقلم؛ ذ. عبد القادر برهوما
شهدت قضية الصحراء المغربية خلال السنوات الماضية تحولات جوهرية دفعت جبهة البوليساريو إلى تغيير خطابها وسلوكها السياسي. فقبل استكمال الحزام الأمني كانت الجبهة تتحرك بحرية نسبيًا، مستفيدة من هشاشة الوضع الميداني آنذاك، قبل أن ينجح المغرب في بناء ساتر ترابي محكم أنهى عمليًا قدرة البوليساريو على تنفيذ عمليات واسعة. ومع اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991 دخل المسار الأممي مرحلة جديدة استمرت إلى غاية أزمة الكركارات سنة 2020، حيث حاولت الجبهة خلق واقع ميداني عبر ما سمته “الاقصاف” و”التخندقات”، لكن دون أن ينعكس ذلك على الوضع الاستراتيجي الذي ظل في صالح الممملكة
وجاء القرار الأممي رقم 2797 الصادر في 31 أكتوبر 2025 ليشكل منعطفًا حاسمًا، بعد اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء وإعادة التأكيد الدولي على أولوية الحل السياسي الواقعي. القرار دعا إلى استئناف المفاوضات بشكل فوري، وهو ما وضع الجزائر والبوليساريو تحت ضغط غير مسبوق، خاصة مع التلويح الأممي بتصنيف الجبهة منظمة إرهابية في حال استمرارها في خرق القرارات الدولية، إضافة إلى حالة الاحتقان الداخلي التي تعيشها المخيمات بسبب سوء الأوضاع الإنسانية وفقدان الثقة بالقيادات.
أمام هذا السياق المتشابك ومع تصاعد الضغوط الدبلوماسية، لم تجد قيادة البوليساريو بقيادة ابن الرحامنة إبراهيم غالي بدًّا من الرضوخ والدعوة إلى وقف جميع الأنشطة العسكرية والقبول بالدخول في مفاوضات مباشرة. هذا التراجع يعكس حجم الارتباك داخل التنظيم وفقدانه لمساندة عدة أطراف إقليمية ودولية، مقابل صعود واضح للدبلوماسية المغربية وتحالفاتها المتينة، إضافة إلى الإجماع الدولي حول مقاربة الحكم الذاتي كحل عملي وواقعي.
وتتجه الأنظار اليوم إلى آفاق المفاوضات المقبلة، حيث يدخل المغرب مدعومًا بحلفائه وفي موقع قوة سياسية وقانونية مريحة، في حين تجد الجزائر وربيبتها البوليساريو نفسيهما في وضعية ضعف واضحة. ورغم ذلك، فإن الحل المرتقب لن يكون بمنطق الغالب والمغلوب، بل في إطار مقاربة تنطلق من مصلحة الساكنة الصحراوية أولاً، وتعزيز الاستقرار والتنمية في المنطقة عبر تنزيل مشروع الحكم الذاتي بصفته الحل الأكثر جدية وواقعية لإنهاء هذا النزاع بشكل نهائي.

