بقلم: عبد السلام اسريفي
مرة أخرى تستيقظ الجزائر على مشاهد النيران وهي تلتهم مساحات واسعة من غاباتها، ومرة أخرى يطرح السؤال نفسه بإلحاح: من أشعل النار؟
22 حريقاً في ثماني ولايات وفي وقت واحد… هذا ليس حدثاً عادياً، ولا يمكن اختزاله في مجرد “صدفة بيئية” أو “تغير مناخي”. هذه حرائق تحمل في توقيت اندلاعها ورسائلها ما يفوق الطبيعة وما يقترب من السياسة.
خطاب جاهز… واتهامات بلا أدلة
منذ اللحظات الأولى، سارعت بعض المنابر الإعلامية الجزائرية إلى تبنّي رواية “الفاعل الخارجي”. الاتهام كان جاهزاً كالعادة:
– مرة الماك،
– مرة “أيادٍ فرنسية”،
– ومرة “جهات إقليمية تريد زعزعة استقرار البلاد”.
المثير أن هذه الروايات تتكرر في كل أزمة، دون تقديم أدلة مقنعة، وكأنها مجرد “خط دفاع أول” يستخدم في كل مرة تتعرض فيها السلطة لاهتزاز داخلي.
واقع سياسي مأزوم… والنار وسيلة لتغيير العناوين
يعلم الجزائريون قبل غيرهم أن البلاد تمر بمرحلة سياسية حساسة:
– ملفات ثقيلة تفجرت خلال الأشهر الأخيرة،
– إخفاقات دبلوماسية واضحة،
– تراجع الثقة في الخطاب الرسمي،
– واحتقان اجتماعي يزداد عمقاً.
في هذا السياق، تبدو السلطة وكأنها تبحث عن “عدو جاهز” لصرف الأنظار عن الملفات الحارقة… فإذا جاءت حرائق الغابات في هذه الظرفية، فسرعان ما يتم تحويلها إلى أزمة أمنية مصطنعة لصناعة حالة تضامن داخلي حول النظام.
صمت تبون… غياب أم حسابات؟
اللافت أن الرئيس عبد المجيد تبون، الذي اعتاد الظهور السريع في مثل هذه الكوارث، اختار هذه المرة الصمت.
لا كلمة رسمية، لا خطاب، لا تطمينات.
وكأن الرجل يراقب تطور الروايات المتداولة ليختار لاحقاً الموقف المناسب، أو كأن السلطة فضّلت ترك المشهد للإعلام الموجَّه كي يهيئ الرأي العام لرسالة بعينها.
هذا الصمت لا يمكن قراءته إلا كجزء من تدبير سياسي للأزمة، وليس مجرد غياب تواصلي.
الحرائق ليست مجرد لهب… إنها مرآة للنظام
مشكلة الجزائر اليوم ليست في الحرائق بحد ذاتها، بل في ما تكشفه هذه الكوارث:
– هشاشة البنية المؤسساتية،
– الارتباك في اتخاذ القرار،
– ضعف قدرات التدخل،
– وغياب استراتيجية واضحة لحماية الغابات.
كل أزمة تكشف أن الدولة تتحرك بردود فعل، لا بسياسات، وأن السلطة تهتم أكثر بإدارة الخطاب الإعلامي من إدارة الكارثة نفسها.
من أشعل النار؟… سؤال لا يبحثون عن جوابه
الحقيقة أن السؤال الذي يجب طرحه ليس “من أشعل النار؟”، بل:
من يستفيد من استمرار حالة الارتباك والاتهامات الخارجية؟
من يربح سياسياً من صناعة “حالة تهديد دائمة”؟
ومن يجد في هذه الحرائق فرصة للهروب من الأسئلة الأكثر إيلاماً: الاقتصاد، الحرية، الشرعية، العلاقات الإقليمية، وتراجع صورة البلد خارجياً؟
تلميحات المسؤولين نحو “فاعل خارجي” ليست بحثاً عن الحقيقة، بل محاولة لإخفائها. أما الواقع فيشير إلى أن أزمة الجزائر ليست في أعدائها المزعومين، بل في نظام سياسي فقد القدرة على إقناع شعبه، فاختار أن يقنعه بالخوف.

