مصطفى المنوزي- رئيس المركز المغربي للديموقراطية والأمن
ان المقاربة التشاركية، في أبعادها السياسية والفكرية، تمثل اليوم مدخلاً استراتيجيًا لإعادة بناء الفهم الجماعي للقضية الوطنية، في تفاعل خلاق مع محيطها المغاربي والإفريقي. فهي لا تقتصر على تمكين مختلف الفاعلين، على اختلاف مواقعهم ورؤاهم، من إبداء وجهات نظرهم، بل تروم تحويل الاختلاف إلى رصيد تفاهم وتكامل، ضمن إطار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، باعتباره مشروعًا وطنيًا منفتحًا على الاجتهاد الديمقراطي ومفعّمًا بروح الوحدة في التنوع.
فـالوحدة الترابية ومغربية الصحراء هما الأصل الثابت الذي يستمد شرعيته من التاريخ والوجدان المشترك، في حين أن التسويات السابقة كانت نتاجًا لمرحلة استثنائية اتسمت باضطراب في موازين القوى وسوء في تدويل القضية. أما اليوم، فقد أضحى التدويل ذاته وسيلة للاستدراك، من خلال تحويله إلى فضاءٍ للشراكة والتأثير الإيجابي، حيث صار الصوت المغربي يُعبّر عن سيادة ناضجة ومسؤولة تتفاعل مع المنتظم الدولي دون تبعية أو انغلاق.
إن الرهان الحقيقي لم يعد مقتصرًا على مقاربة دبلوماسية أو تقنية، بل هو رهان على القرار الوطني التشاركي المنبثق من القاعدة إلى القمة، في صيغة تعبئة مواطنية تُعيد وصل الدولة بالمجتمع، وتُكرس روح الثقة والمسؤولية المشتركة. فكلما توسعت المشاركة، تعمق الإجماع، وكلما نضج الوعي الجماعي، ترسخت السيادة بمضمونها الإنساني والمغاربي.
وفي هذا المنظور، تندرج المقاربة التشاركية ضمن أفق مغاربي تكاملي، قوامه تحرير الذاكرة من الأوهام الإيديولوجية، وتجديد ثقافة التعاون بدل التنازع، وبناء مستقبل مغاربي مشترك يجعل من الصحراء جسرًا للتنمية والتكامل لا مجالاً للانقسام والتجاذب.
هكذا تتحول المقاربة التشاركية من مجرد آلية للحوار الداخلي إلى أفق تفكير نقدي توقعي، يربط بين الذاكرة والسيادة، وبين الخصوصية الوطنية والانتماء المغاربي، في سبيل بناء منظومة أمن واستقرار إقليميين قوامها العقلانية والتعاون والتدبير المشترك للمستقبل. ولعل مناظرة وطنية تتوج المساور التشاورى أنجع وسيلة لتوحيد المجهودات وتنسيق الأفكار والمقترحات المنتجة للمشترك الوطني .
مصطفى المنوزي
رئيس المركز المغربي للديموقراطية والأمن

