بقلم: نور الدين الرياحي
عاشت المملكة المغربية لحظات استثنائية من الفرح والاعتزاز الوطني، مباشرة بعد تصويت مجلس الأمن الدولي على القرار التاريخي المتعلق بالصحراء المغربية، حينما وجّه جلالة الملك محمد السادس خطابًا ساميًا إلى شعبه الوفيّ، في مشهد جسّد من جديد عمق العلاقة بين العرش والشعب.
فكعادته، لم يطمئن المغاربة رغم تواتر الأخبار عبر وسائل الإعلام الوطنية والعالمية، إلا بعد البلاغ الملكي الذي أعلن عن الخطاب السامي. عندها عمّت حالة من الترقب والفرح في كل ربوع البلاد، إذ يدرك المغاربة أن الكلمة الفصل دائمًا تأتي من ملوكهم، حماة الوطن ووحدته.
وفي مساء يوم 31 أكتوبر 2025، افتتح جلالته خطابه بآيات من سورة الفتح، تمامًا كما اعتاد الملوك العلويون في اللحظات المفصلية من تاريخ الأمة. فكانت الإشارة واضحة: إنه يوم فاصل بين عهدين، كما عبّر عنه جلالته، بين الباطل والحق، بين الحزن والشكر، وبين الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر.
بهذا المشهد الرمزي، استعاد المغاربة في ذاكرتهم خطابات الملوك السابقين في منعطفات مشابهة:
حينما أعلن محمد الخامس، أب الأمة، عن عودة الاستقلال سنة 1955، وحينما خاطب الحسن الثاني شعبه في 16 أكتوبر 1975، بعد قرار محكمة العدل الدولية الذي اعترف بوجود روابط البيعة والولاء بين المغرب وأقاليمه الصحراوية. فكان ذلك الخطاب مقدمةً لإطلاق المسيرة الخضراء، الملحمة التي وحّدت المغاربة قاطبة خلف ملكهم.
واليوم، بعد نصف قرن من التضحيات والعمل الدبلوماسي الهادئ، يكرّس محمد السادس انتصار الشرعية التاريخية والقانونية، بقرار أممي صريح يعترف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية دون معارضة. إنه تتويج لمسار طويل من الصبر والحكمة والحنكة السياسية التي جعلت العالم يقدّر المغرب وملكه، رمزًا للاستقرار والحكمة والسلام.
لقد كانت الفرحة الكبرى التي عمّت البلاد لحظةً تاريخية استثنائية، أعادت إلى الأذهان صور المسيرة الأولى، يوم خرج المغاربة من طنجة إلى لكويرة هاتفين بحياة الملك والوطن. إنها فرحة وطنية متجددة، لا تختلف في جوهرها عن فرحة العودة من المنفى، ولا عن فرحة انطلاق المسيرة الخضراء.
ففي كل مرة، يؤكد المغاربة أنهم أمة الوفاء والولاء، وأن عرشهم العلوي هو امتداد لتاريخ من النصر والفتح والإيمان.
كما قال الشاعر محمد الطنجاوي وغناه محمد عبد الوهاب:
“الله أكبر والفرحة الكبرى
في كل بيتٍ، كل حصنٍ، كل منبر
عرش وشعب… أي حب لا يُقدّر.”

