تتجه الأنظار داخل الأوساط الدبلوماسية الدولية نحو المملكة المغربية التي يُنظر إليها اليوم كأحد أقوى المرشحين الأفارقة للظفر بمقعد دائم داخل مجلس الأمن الدولي، في إطار الإصلاحات المرتقبة التي تعتزم الأمم المتحدة إطلاقها لتوسيع عضوية المجلس وضمان تمثيل أوسع لمختلف القارات.
هذا الترشيح لم يأتِ من فراغ، بل هو حصيلة مسار دبلوماسي طويل رسّخه المغرب على مدى العقود الأخيرة، قوامه الاعتدال، الحوار، والاحترام المتبادل. فالمملكة، التي نجحت في بناء علاقات متينة مع القوى العظمى، استطاعت أن تكسب ثقة المجتمع الدولي بفضل مبادراتها المتوازنة في ملفات الأمن والسلم الإقليميين، ومساهماتها الفاعلة في جهود حفظ السلام والتنمية بإفريقيا.
ويأتي هذا التقدير الدولي في وقتٍ حساس يشهد فيه العالم تحولات في ميزان القوى، دفعت الأمم المتحدة إلى التفكير في إصلاح نظامها المؤسسي، خصوصاً مجلس الأمن الذي يُنظر إليه باعتباره حجر الزاوية في النظام الدولي. الإصلاح المرتقب يسعى إلى منح القارات غير الممثلة تمثيلاً دائماً، وفي مقدمتها القارة الإفريقية التي تطالب منذ سنوات بصوتٍ فاعل داخل المجلس.
في هذا السياق، يبرز المغرب كخيار طبيعي لتمثيل إفريقيا، بالنظر إلى استقراره السياسي، ومكانته الجيوستراتيجية كبوابة بين أوروبا وإفريقيا، إضافة إلى دوره المحوري في محاربة الإرهاب والهجرة غير النظامية، وجهوده المتواصلة في تعزيز التعاون جنوب–جنوب.
كما أن العلاقات المتميزة التي تربط الرباط بالعواصم الخمس دائمة العضوية، لا سيما واشنطن وباريس ولندن، إلى جانب موسكو وبكين، تجعلها تحظى بدعم واضح في الكواليس الدبلوماسية. ويكفي أن ثلاثة من الأعضاء الدائمين صوّتوا أخيراً لصالح المواقف المغربية في مجلس الأمن، فيما امتنعت روسيا والصين عن استخدام “الفيتو”، لتؤكد بذلك ثقتها في التوجهات المغربية.
وإذ تتنافس دول إفريقية أخرى مثل مصر وجنوب إفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا على هذا المقعد التاريخي، فإن المؤشرات تميل لصالح المغرب، الذي نجح في السنوات الأخيرة في إعادة رسم صورته الدولية كـ فاعل مسؤول ومعتدل يسعى إلى بناء جسور التفاهم لا جدران الخلاف.
إن حصول المغرب على مقعد دائم في مجلس الأمن لن يكون مكسباً دبلوماسياً فحسب، بل تتويجاً لمسار دولة استطاعت أن توازن بين الانفتاح والسيادة، بين الواقعية والطموح، وتقدّم نموذجاً جديداً للقيادة الهادئة في عالم يزداد اضطراباً

