الرئيسية آراء وأقلام حقوق الإنسان بين القيم السماوية والواقع العربي: توافق لا تناقض

حقوق الإنسان بين القيم السماوية والواقع العربي: توافق لا تناقض

IMG 20251022 WA0105
كتبه كتب في 22 أكتوبر، 2025 - 2:49 مساءً

بقلم: د. فارس يغمور
عميد المعهد العالي لحقوق الإنسان والعلوم الدبلوماسية

حقوق الإنسان ليست مفهوماً مستورداً من الغرب كما يظن البعض، بل هي منظومة قيمية وأخلاقية راسخة في صميم الرسالات السماوية وفي ضمير الحضارة الإنسانية. إن المنطقة العربية، بما تحمله من إرث ديني وثقافي عميق، تمتلك الأسس الجوهرية التي تجعلها مؤهلة لتكون نموذجاً عالمياً لاحترام وصون الكرامة الإنسانية، شريطة أن تُفعّل تلك القيم على أرض الواقع عبر مؤسسات قوية ومجتمع مدني فاعل.
أولاً: الجذور السماوية لحقوق الإنسان
الكتب السماوية الثلاث – التوراة، والإنجيل، والقرآن الكريم – أكدت جميعها على مبدأ الكرامة الإنسانية، وحرمة النفس، والعدالة، والمساواة أمام الخالق.
في الإسلام، يقول تعالى: “ولقد كرّمنا بني آدم” (الإسراء:70)، وهي قاعدة كونية شاملة لا تميز بين عرق أو دين.
وفي المسيحية، نجد أن رسالة السيد المسيح عليه السلام كانت دعوة للمحبة والسلام، إذ قال: “كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم” (متى 7:12).
أما في اليهودية، فورد في التوراة أن الإنسان خُلق على صورة الله، أي أنه مكرّم ومصون.
وهنا يتضح أن جوهر الفكر السماوي يقوم على تكريم الإنسان بوصفه خليفة الله في الأرض، وهو ما يتطابق تماماً مع مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948.
ثانياً: حقوق الإنسان في المنطقة العربية — بين النظرية والتطبيق
تضم المنطقة العربية تراثاً قانونياً وإنسانياً غنياً، لكن واقع الحقوق فيها ما زال يواجه تحديات عدة، منها النزاعات المسلحة، وضعف مؤسسات العدالة، وتقييد الحريات العامة.
ومع ذلك، تشهد المنطقة صحوة متنامية في إدراك أهمية حقوق الإنسان كأحد أعمدة التنمية المستدامة والاستقرار الاجتماعي، إذ بدأت العديد من الدول العربية في تعديل تشريعاتها لتتماشى مع المواثيق الدولية، مع الحفاظ على خصوصيتها الثقافية والدينية.
ثالثاً: دور منظمات المجتمع المدني
منظمات المجتمع المدني تمثل القوة الناعمة في بناء الوعي الحقوقي، فهي الجسر الذي يربط بين المواطن والدولة.
تلعب هذه المنظمات أدواراً متعددة:
التثقيف والتوعية بحقوق الإنسان عبر المدارس والإعلام.
مراقبة الانتهاكات وتوثيقها لتعزيز الشفافية والمساءلة.
تمكين الفئات الهشة كالنساء، والأطفال، وذوي الاحتياجات الخاصة.
دعم الإصلاح القانوني من خلال الضغط الإيجابي على صُنّاع القرار.
ولا يمكن لأي دولة أن تحقق احتراماً حقيقياً لحقوق الإنسان دون وجود مجتمع مدني قوي ومستقل.
رابعاً: أهمية حقوق الإنسان في بناء المجتمعات
إن احترام حقوق الإنسان ليس ترفاً فكرياً، بل هو حجر الأساس لكل نهضة تنموية وحضارية.
فالكرامة والحرية والعدالة تضمن بيئة سليمة للإبداع، وتحفز المواطن على المشاركة في بناء وطنه.
كما أن الدول التي ترعى حقوق الإنسان تجذب الاستثمارات، وتعزز الثقة في مؤسساتها، وتحقق الأمن والاستقرار الداخلي.
ليس بين القيم السماوية ومبادئ حقوق الإنسان أي تناقض، بل إن الأولى هي الأساس الروحي والأخلاقي للثانية.
إن المنطقة العربية مدعوة اليوم لتفعيل هذا التلاقي التاريخي بين العقيدة والإنسانية، عبر ترسيخ ثقافة الحقوق في المؤسسات والتعليم والإعلام، وعبر دعم منظمات المجتمع المدني كحاضنة لوعي جديد.
فحقوق الإنسان ليست شعاراً سياسياً، بل رسالة إنسانية مقدسة توحد البشرية تحت مظلة العدالة والرحمة.

مشاركة