الرئيسية غير مصنف تأثير جريمة النصب على مجال الأعمال 

تأثير جريمة النصب على مجال الأعمال 

0de44526 f6d0 4c93 b704 a41278307a9b
كتبه كتب في 16 أكتوبر، 2025 - 11:57 مساءً

      الباحث محمد الشريف العمري

حاصل على ماستر العلوم الجنائية والأمنية بتطوان

يتابع دراسته في ماستر قانون الأعمال بتطوان

*****************************

**********

        بادئ ذي بدء يمكن القول أن مجال الأعمال وعلى الرغم من الترسانة القانونية التي تحميه وتقيه من الصعوبات، إلا أن الحياة الاقتصادية أصبحت موشومة بعدة إشكالات وعوائق تجعل معظم رجال الأعمال يقبلون على جهاز القضاء، وهذا راجع بالأساس إلى العلاقة الجدلية بين الاقتصاد والقانون، وقد اختلف تدخل المشرع الجنائي في ميدان الأعمال وفق السياسة الاقتصادية للدولة، فنمو الفكر القانوني في الميدان الزجري في مجال الأعمال غير من وظيفة القانون الجنائي، حيث بعدما كانت وظيفته مجرد الحماية من الإرهاصات أضحت تهدف إلى التوجيه من الوقوع في ذلك الإرهاصات، هذا وقد انتقلت العقوبة في المجال الاقتصادي من كونها وسيلة تحكيم وأصبحت وسيلة فعالة تمثل أساس القانون الجنائي للأعمال.

       فانطلاقا من هنا ومع بروز متطلبات العصر الحديث ولا سيما تلك المرتبطة بالميدان الجنائي والتجاري، ظهرت الأهمية الاقتصادية في المجتمعات الحديثة بدرجة كبيرة، وهذا ما كان له ثقل وازن ووقع كبير على فقهاء الاقتصاد، وذلك من خلال الأسئلة التي شغلت تفكيرهم خاصة تلك المتعلقة بالضمانات الكافية التي يوفرها القانون الجنائي للأعمال للمقاولة بصفة عامة ولرجال الأعمال على وجه الخصوص، وبهذا أصبح المطلب الوحيد لعلماء الاقتصاد هو وجود قاعدة قانونية آمنة تهدف إلى تحقيق الثقة للمتعاملين الاقتصاديين تجاه الأنظمة القانونية والقائمين على تنفيذها.

     هذا وقد تسببت عدم مسايرة القاعدة الجنائية لمجال الأعمال عدم ارتياح العون الاقتصادي والقاضي لمثل هاته القواعد، ومن ثم أضحى ينظر إليها نظرة الشك لعجزها عن تحقيق فاعلية القاعدة القانونية، وهو ما كان له وقع سلبي وانعكاس لا يهدأ له بال مما أدى          بذلك في نهاية المطاف إلى ظهور جرائم تطغى على مجال الأعمال، ولعل من بين هذه الجرائم نجد جريمة النصب التي عرفها الفقهاء على أنها ذالك الاستيلاء على مال منقول مملوك للغير، بناء على الاحتيال بنية تملكه، والشخص الذي يمارس ذلك يسمى “النصاب”، ومن هذا المنطلق إذا يمكن التساؤل عن ما هي الأفعال التي تشكل جنحة النصب؟ وإلى أي حد يمكن للقواعد العامة في القانون الجنائي المغربي حماية مبدأ الائتمان في المعاملات التجارية من خطر المحتالين؟ وما هي الأفعال التي يجب قيامها لنكون أمام جريمة النصب؟ وهل يمكن أن يكون النظام المعلوماتي محلا لجريمة النصب خاصة بعدما أصبح يستعمل في التحويلات المالية وغيرها من العمليات الأخرى؟ 

المطلب الأول: ماهية جريمة النصب

        عرف المشرع المغربي جريمة النصب بمقتضى الفصل 540 من القانون الجنائي، هذه الجريمة بطبيعة الحال هي من أهم الجرائم التي يعاقب عنها القانون الجنائي نظرا لطبيعتها التي يلجأ فيها الجاني إلى وسائل احتيالية يوقع ويدفع من خلالها المجني عليه لكي يسلم ما يملكه طواعية دون مقاومة، ولعل السبب يجعل هذه الجريمة تتفاقم وتزداد نجد من جهة البساطة والسذاجة التي يتحلى بها البعض، ومن جهة أخرى التحلي بالطمع، وهذا هو ما يمكن القول عنه السلوك الإجرامي للشخص المعنوي الذي بكثرة تنوعه أصبح يغطي كافة المجالات إذ يعتبر أشد خطورة من إضرار الشخص الطبيعي.

الفقرة الأولى: خصائص جريمة النصب وأركانها

1) هي جريمة مركبة من حيث النشاط الإجرامي: كونها تتضمن نشاطا مزدوجا لتكوين الركن المادي، إذ يتمثل النشاط الأول في الطرق الاحتيالية المنصوص عنها قانونا، والنشاط الثاني يتجسد في الاستيلاء على مال منقول للغير.

2) هي جريمة وقتية: أي أنها تنتهي بمجرد تسليم المجني عليه ماله للجاني، وهذا التسليم بطبيعة الحال لا يستغرق وقتا طويلا، إلا أنه يجب الإشارة هنا إلى أن آجال احتساب التقادم والحق في إقامة الدعوى العمومية يبدأ وقت تحقق النتيجة الإجرامية.

3) هي جريمة ذات سلوك إيجابي: أي أنها تتضمن أساليب احتيالية خارجة عن القانون كانتحال صفة أو اسم…

      وفي نفس الصدد فإذا ما تحدثنا عن أركان قيام جريمة النصب فإننا سنجدها كغيرها من الجرائم الأخرى تشترط لقيامها الأركان التالية:

– الركن القانوني: وهو ما تطرق إليه المشرع الجنائي في الفصل 540 من القانون الجنائي المغربي.

– الركن المادي: ونستشف من منطوق الفصل السالف الذكر أن جريمة النصب تتحقق، بالنشاط المادي ويتكون من الاحتيال الذي يقصد به الكذب، وإخفاء وقائع صحيحة والاستغلال الماكر لخطأ وقع فيه الغير، أما النتيجة الإجرامية فتتجسد هنا في الاستيلاء، هذا ويمكن إثبات العلاقة السببية هنا بناء على القرائن ومختلف الأساليب والطرق المستعملة.

– الركن المعنوي: أو ما يصطلح عليه (القصد الجنائي)، وقد جاء في نص الفصل 540 من القانون الجنائي عبارة “بقصد الحصول على منفعة مالية له أو لشخص آخر”، أي أن يقوم الجاني بأعمال الاحتيال على علم وبينة، هذا ويمكن القول أن المشرع قد اشترط أن تكون المنفعة المالية المراد الحصول عليها عن طريق النصب غير مشروعة، إذ لا يمكن اعتبار الدائن نصابا إذا ما استعمل طرقا احتيالية للحصول على حقه من المدين طالما الدين مستحق الأداء.

الفقرة الثانية: تمييز جريمة النصب عن الجرائم المشابهة لها

أولا: تمييز جريمة النصب عن السرقة: تعتبر السرقة من الجرائم التي نص عنها المشرع المغربي في الفصل505 من القانون الجنائي المغربي، وهي من الجرائم التي عرفتها البشرية قديما حيث ظهرت حتى قبل ظهور الملكية، وتكون السرقة بأخذ المال خفية أو ما يعرف باختلاس مال منقول للغير بنية تملكه، وهنا على عكس جريمة النصب التي من خلالها يأخذ الجاني المال من المجني عليه بإرادته غير أن رضا هذا الأخير يكون مشوبا بعيب الغلط، وكذا في جريمة السرقة يعتمد الجاني على مجهود جسماني لسرقة المال، أما في جريمة النصب يركز الجاني أساسا على المجهود المعنوي حتى يصدقه المجني عليه.

ثانيا: تمييز جريمة النصب عن جريمة خيانة الأمانة: هنا يمكن القول أن كلا من الجريمتين يشتركان في كونهما ينصبان على الاعتداء على الأموال والجاني يتسلم المال برضا المجني عليه، غير أنهما يختلفان من حيث غاية التسليم، إذ أن سبب التسليم في جريمة النصب هو وسائل الاحتيال، أما في جريمة خيانة الأمانة هو الائتمان أي انتهاك الثقة التي وضعها المجني عليه في الجاني عند تسليمه المال بغرض الحفاظ عليه.

المطلب الثاني: ماهية السلوك الإجرامي في الاحتيال وعناصره

     بالرجوع إلى تعاريف الفقهاء وتسمياتهم للسلوك الإجرامي لجريمة النصب نجد أن هناك من أطلق عليه لفظ “التدليس”، وهناك من قال أنه “احتيال”، لكن هاذين المصطلحين وغيرهما يمكن اعتبارهم من الوسائل والتقنيات التي تسبق جريمة النصب، ولعل جريمة النصب يمكن اعتبارها من الجرائم التي اشترط المشرع الجنائي بمقتضى الفصل540 من القانون الجنائي لقيامها أن يقوم المجني عليه بتسليم الجاني مالا منقولا، ولا يشترط لتحقق جريمة النصب أن يستولي المحتال على كل أو جزء من أموال الغير فقط، بل يجب أن يقع المجني عليه في الغلط جراء الاحتيال الذي استعمله الجاني.

      هذا ويترتب النصب عن فعل إيجابي وليس سلبي، وذلك ما قضى به في فرنسا حينما اعتبر بأن الأجير الذي تحصل من صندوق الضمان الاجتماعي على منحة تفيد عجزه100% لا يرتكب جنحة النصب إذا تحسنت حالته وامتنع عن إخبار مصلحة الضمان الاجتماعي بذلك وبقي يستفيد من المنحة.

الفقرة الأولى: طبيعة الطرق الاحتيالية

       باستقراء مضمون الفصل 540 من القانون الجنائي المغربي نجد أنه حدد الأساليب الاحتيالية التي ينهجها الجاني للإيقاع بضحاياه، ويمكن التفصيل في ذلك وفق الشكل الآتي:

1) إيهام الضحية بوجود مشروع كاذب: والمشروع الكاذب هنا هو عبارة عن مخطط خيالي كاذب يدعي صاحبه بأنه حقيقة، وهنا مهما كانت طبيعة الجاني سواء شخص طبيعي أم اعتباري، كشركة متعددة الأشخاص… إذ كثيرا ما يتعلق الأمر بالشركات الوهمية، حيث يعتبر المشروع هنا كذبا حتى إن كان له وجود حقيقي ولكن نشاطه توقف تماما.

      فمثلا يتم تأسيس شركة وهمية هدفها تنظيم الرحلات إلى مختلف بلدان المعمور ويتم اختيار الشركاء فيها وكذا المركز الرئيسي لها، ويقومون بفتح مكتب لاستقبال الزبائن الذين يتلقون منهم الدفعة الأولى من الأموال ليختفوا بعد ذلك بمجرد أن يحسوا ويفطنوا بأن ضحاياهم اكتشفوا مكرهم ونصبهم…

2) إيهام الضحية بالفوز أو إخافته من واقعة وهمية: وهنا تتحقق هذه الطريقة بإحداث الأمل وإيهام المجني عليه بحصوله على فائدة معينة غير أن هذا الفوز يستحيل تحققه.

     ومن هنا تبقى من بين أهم عناصر جريمة النصب، الكذب وتدعيمه بالمظاهر الخارجية والأفعال المادية، وكذا استعانة الجاني بشركاء له يدعمون أقواله، أو من ناحية أخرى يستعين كذلك على أشياء وهمية ومفروغ منها يأيد بها صحة كلامه.

الفقرة الثانية: النظام المعلوماتي محل جريمة النصب

    إن التطور الملحوظ الذي شهده العالم في الآونة الأخيرة من خلال ما يعرف بالتطور الرقمي أو المعاملات الإلكترونية، خاصة تلك المتعلقة بالتحويلات المالية من بلد لآخر أو من شخص لآخر داخل البلد نفسه، جعلت النظام المعلوماتي محلا للنصب وأرضا خصبة لممارسة الاحتيال بكل معانيه، خاصة وأن النصاب الذي ينهج ويتبع ويترصد ضحاياه من وراء الشبكة العنكبوتية يشترك مع المجرم الإلكتروني في صفة الذكاء وحسن استخدام والتعامل مع البيانات الإلكترونية، إذ أنه لا يمكن تصور قيام هذه الجريمة المعروفة بالنصب الإلكتروني من طرف شخص محدود التفكير وبسيط أو ربما ضعيف في مستواه التعليمي، كما أن محترف جريمة النصب هنا غالبا ما يقوم بالنصب على ضحاياه بأريحية تامة حينما يتمكن من الظفر بثقتهم والاطمئنان إليه لأنه يؤمن إيمانا راسخا بأنه من الصعب إليقاء القبض عليه وهو يختبئ وراء الشبكة العنكبوتية.

   ومن هنا واستخلاصا لما سلف نجد أن المشرع قد شدد العقوبة في الفقرة الأخيرة من الفصل 540 من القانون الجنائي وقام برفعها إلى الضعف والحد الأقصى للغرامة إلى 100.000، غير أنه وللإشارة فقط أصبح النظام الاقتصادي يعرف وقع سلبي أو ما يسمى بجريمة الإفلاس بالتدليس، وقد أصبحت هذه الجريمة من بين أشهر دعاوي الشركات التجارية وأكثرها على الإطلاق، حيث نجد كثير من الشركات التجارية بمجرد أن يقترب وقت التصريح بالأرباح والمداخيل لتقوم بأداء ضرائبها تصرح وتعلن إفلاسها.

لا تنسى الدعاء للوالدين

مشاركة