الرئيسية آراء وأقلام أيها القاضي.. تأنَّ في حكمك، فبين يديك مصائر وأقدار لا ملفات وأرقام”

أيها القاضي.. تأنَّ في حكمك، فبين يديك مصائر وأقدار لا ملفات وأرقام”

IMG 8309
كتبه كتب في 16 أكتوبر، 2025 - 3:38 صباحًا

بقلم عزيز بنحريميدة

مقال رأي: رسالة إلى القضاة والمسؤولين..
العبرة ليست بالكم، بل بالكيف والرحمة والعدل

في خضم تسارع وتيرة الأحكام وتزايد عدد الملفات التي تُعرض يوميًا على محاكم المملكة، يبرز سؤال جوهري يستحق الوقوف عنده: هل العدل يُقاس بعدد القضايا المحسومة وسرعة البت فيها، أم بجودة الأحكام وإنصافها للناس؟
الجواب لا يحتاج إلى كثير من التفكير، فالعبرة — كما علمنا التاريخ والشريعة — ليست في الكم، بل في الكيف، في ميزان الرحمة والضمير والعدل.

فحين يجلس القاضي على منصة الحكم، فهو لا يمثل سلطةً ماديةً فحسب، بل ضمير الأمة وميزانها الأخلاقي. كلمة واحدة منه قد ترفع مظلومًا أو تهدم حياة إنسان. لذلك وجب عليه أن يتحرى، وأن يتروّى، وألا يغفل لحظة أن كل حكم يوقّعه اليوم، سيُعرض عليه غدًا أمام قاضٍ أعظم لا يُظلم عنده أحد.

“الله يجعل تقليدك على اللي عمر لك المحضر” — عبارة كثيرًا ما تُتداول في ردهات المحاكم، لكنها لا ينبغي أن تكون مبدأ ولا عذرًا. فالقاضي الحق هو من يبحث وراء كل سطر، ويسبر كل شهادة، ولا يكتفي بما أمامه من محاضر قد تخفي بين طياتها قصصًا من الطيش أو الجهل أو الحاجة.

كثير من الانحرافات والسلوكيات التي تُعرض أمام القضاء ليست نابعة من شر مطلق أو نية إجرامية، بقدر ما هي نتاج بيئة اجتماعية فقيرة في التربية، أو غياب وعي ديني وأخلاقي، أو جهل بالقانون. هنا تظهر الحكمة والرحمة، لا بمعناها الضعيف، بل كقيمة سامية تُعطي للعدالة بُعدها الإنساني.

فالقاضي العادل لا يحكم فقط باسم القانون، بل باسم الضمير، وهو من يزن الأمور بميزان يوازن بين النص والإنسان، بين الخطأ والنية، بين الفعل وسياقه الاجتماعي والنفسي.
فالعدالة ليست غاية في السرعة بل في الإنصاف

قد يُعتبر الإنجاز اليوم بعدد الملفات التي تُقفل، لكن التاريخ والضمير الإنساني لا يذكران الأرقام، بل المواقف العادلة والقرارات التي أنصفت المستضعفين. فكم من حكمٍ سريعٍ ترك جرحًا عميقًا، وكم من تمهلٍ كان سببًا في إنقاذ إنسان من ظلم أو تسرع.

إن العدالة ليست سباقًا نحو الإغلاق، بل رحلة نحو الإنصاف. والعدل لا يُقاس بعدد القضايا المنتهية، بل بمدى رضى الضمير الإنساني والرباني عنها.
نصيحتي لكل مسؤول وقاضٍ
سيدي القاضي، سيدي المسؤول، تمهّل وتحرَّ، فحقوق الناس أمانة، والسلطة ابتلاء، والعدل عبادة.
ليست العبرة أن تُصدر أحكامًا كثيرة، بل أن تُصدر حكمًا واحدًا يُرضي الله والناس.
فما دام في الحكم رحمة، وفي الاجتهاد ضمير، فإن القضاء بخير، والوطن في أمان.

مشاركة