في عالمٍ باتت فيه الحقيقة تختلط بالوهم، والخيال يُصاغ بذكاءٍ يشبه الواقع، ظهرت امرأة غامضة لتشعل فضول الملايين. وجهها هادئ، نظراتها تائهة، تحمل جواز سفر من دولة لا وجود لها تُدعى “تيرينزا”… وتقول إنها جاءت من مكانٍ آخر، من عالمٍ موازٍ لا نعرفه!
انتشرت صورها ومقاطعها بسرعةٍ مذهلة على منصات التواصل الاجتماعي، وانهالت التعليقات بين مصدّقٍ مذهول ومشكّكٍ يبحث عن المنطق. قيل إنها وصلت إلى مطار جون إف كينيدي في نيويورك قادمة من طوكيو، وقيل إنها فقدت ذاكرتها، وقيل أكثر من ذلك… لكن الحقيقة كانت أبسط، وأعمق في الوقت نفسه.
فبعد أيامٍ من الجدل، كشفت التقارير الصحفية أن القصة لم تحدث أبداً. لا توجد سجلات في المطار، ولا بيانات في الجمارك، ولا امرأة تحمل ذلك الجواز الغريب. كل ما في الأمر أن الخيال تَجسَّد في صورة، والفكرة تحوّلت إلى واقعٍ رقمي باستخدام الذكاء الاصطناعي. تم توليد الفيديوهات بدقة مبهرة، جعلت الكثيرين يصدقونها كما لو أنها مشهد من الحقيقة.
لكن، خلف هذه القصة الزائفة تختبئ قصة أكبر: قصة إنسانٍ يعيش في زمنٍ تتداخل فيه العوالم… زمنٍ يمكن فيه لآلة أن تخلق وجهاً لم يولد، وصوتاً لم يتكلم، وعالماً لم يوجد قط.
هذه الحكاية ليست عن امرأة من “تيرينزا”، بل عنّا نحن… عن هشاشتنا أمام الصورة، وعن تعطشنا للأسطورة في زمنٍ صارت فيه الحقيقة باهتة. إنها تذكير بأننا نعيش في عصرٍ جديد، حيث الذكاء الاصطناعي لا يصنع الخيال فقط، بل يعيد تشكيل الواقع.
وتماماً كما في أسطورة “رجل من تاورد” التي وُلدت في الخمسينيات، عادت القصة بثوبٍ رقمي جديد، لتقول لنا شيئاً واحداً:
ليس كل ما نراه حقيقياً… وليس كل ما نصدّقه موجوداً فعلاً.
ربما لم تأتِ تلك المرأة من عالمٍ آخر،
لكنها بالتأكيد جعلتنا نرى كيف أصبح العالم الذي نعيش فيه أغرب من الخيال نفسه.
