الرئيسية آراء وأقلام سلالة طوطو والخطايا السبع: قراءة في زمن جيل Z

سلالة طوطو والخطايا السبع: قراءة في زمن جيل Z

FB IMG 1759667489532
كتبه كتب في 5 أكتوبر، 2025 - 1:33 مساءً

بقلم: الاستاذ كفيل محمد الامين العام لحزب النهضة والفضيلة.
في زمن تتقاطع فيه التحولات الرقمية مع التحديات الاجتماعية، خرج إلى الساحة ما سُمّي بـ”جيل Z” في المغرب، جيل نشأ بين غرف الدردشة المظلمة وشاشات اللعب الإلكترونية، بعيداً عن أعين الرقابة والتأطير. هناك، في عوالم افتراضية لا تُرى، جرى الإقناع بأن هذا الجيل “مهضوم الحقوق”، وأنه لا بد من النزول إلى الشارع للمطالبة بـ”الحق في الصحة” و”الحق في التعليم”.

لكن يلزمني – كما يقول المثل – “مقدار غير قليل من السذاجة” لأصدّق أن جيلاً لم يعرف للمدرسة العمومية سبيلاً، ولا خبر معاناة أقسامها المكتظة ولا هموم مستشفياتها، قد يخرج اليوم منادياً بإصلاحها. لو كان الآباء أو من اكتووا فعلاً بنار هذه الخدمات هم من رفعوا هذه الشعارات، لكان الأمر مقبولاً. أما أن تتحول المطالب إلى أداة في يد الخفاء، فتلكم الغلطة الأولى.

غير أن ما لا يمكن إنكاره، أنّ هذه المطالب – مهما كان مصدرها – مشروعة في جوهرها. والصوت المطالب بالكرامة الاجتماعية يجب أن يُسمع ويُصغى إليه. لكن ما أثار الريبة كان تدخل الأمن بالمنع، بلا تفسير مقنع ولا خطاب مطمئن. هنا سجّلنا الغلطة الثانية: غلطة دولة تعاملت بالمنع بدل الإصغاء، وبالعصا بدل الحوار.

وعند تحليل الخطاب الأولي لهذا الحراك الناشئ، يتبين أن السهام وُجّهت إلى جهة محددة: الحكومة، وفي قلبها رئيسها عزيز أخنوش. ولعلها إشارة إلى أن الرجل يعيش لحظة النهاية السياسية قبل أوانها. غير أن من أوصل أخنوش إلى الحكم هم أنفسهم اليوم من يكتوون بسياساته، فإما صناديق الاقتراع التي امتلأت بأصوات كبار السن، أو نخب سهّلت له الطريق على حساب الديمقراطية. وهنا نجد الغلطة الثالثة، ولنسجل معها غلطة رابعة مرتبطة بالتواطؤ السياسي الذي مهّد لهذا المشهد.

أما الشباب الذين يهاجمون الأحزاب، فوصفوها بالانتهازية والعجز عن تمثيلهم. لا شك أن في ذلك بعض الحق، غير أن محو الأحزاب أو التنقيص من ضرورتها خطأ لا يقل خطورة. فمنذ فجر التاريخ السياسي، كانت الأحزاب صمّام أمان، تؤطر وتجمع وتحاور. والقرآن الكريم علّمنا أن ، فلا تعارف ولا بناء إلا بوسائط تؤطر النقاش. وغياب الأحزاب لن يؤدي إلا إلى فراغ يُستغل ضد الوطن. وذلكم الغلطة الخامسة.

ثم جاءت سلالة “طوطو”، التي صنعتها سنوات من تلميع الرموز الزائفة، وتشجيع ثقافة التمرد الأجوف باسم الحرية والإبداع. من رقص على وقع أغاني “الشارع” بالأمس، يجني اليوم ثمارها المرة: جيل لم يتربَّ على الذوق ولا على القيم، كالوَطاويط لا يعرفون النهار من الليل. تلكم الغلطة السادسة، التي اشتركت فيها المدرسة بتراجعها، والبيت بتفككه، والإعلام بانسياقه وراء “البوليفار” وثقافة الضجيج.

أما الغلطة السابعة – فهي الأخطر والأعمق – وتتمثل في غياب مشروع وطني جامع يقدّم بديلاً مقنعاً لهؤلاء الشباب. فإذا تركناهم يتربّون في الفراغ، فإن القادم سيكون أشد قسوة: أبناء بلا بوصلة، أجيال تائهة في عوالم افتراضية، وبلاد تُستنزف في معارك الهامش بدل رهان النهضة.

وختاما أقول

إن الحديث عن “جيل Z” ليس شتيمة ولا تحاملاً، بل هو محاولة لفهم ديناميات مجتمع يتشكل. وإذا كان من واجب الدولة أن تصغي، ومن واجب الأحزاب أن تؤطر، ومن واجب الأسرة أن تربّي، فإن من واجبنا جميعاً أن نعيد الاعتبار للتعليم والتربية والثقافة. وإلا فإن “سلالة طوطو” لن تكون سوى إرهاص أول لأجيال أشد اغتراباً وضياعاً.

مشاركة