بقلم عزيز بنحريميدة
يشهد ملف «كرونوبوست» واحدًا من أكثر التطورات القضائية إثارة في السنوات الأخيرة، بعدما تكشفت خيوط معقدة تربط بين اختلاس أموال عمومية وتبييضها عبر شبكة منظمة امتدت إلى عقارات وشركات وهمية وعلاقات مشبوهة مع شخصيات بارزة.
القضية التي بدأت باختلاسات داخل الشركة سرعان ما اتضح أنها جزء من مخطط إجرامي محكم، يقوده موظفون ومسؤولون سابقون بالتواطؤ مع أطراف خارجية. المعطيات التي تسربت من التحقيقات تكشف أن أحد المتهمين الرئيسيين، “م.ل”، المكلف السابق بخزينة الشركة، لم يكن مجرد موظف خان الأمانة، بل كان الأخ غير الشقيق لزعيم العصابة “ك.ع”، المعروف بمحاولاته السابقة لتصفية المدير العام وزعزعة استقرار المؤسسة. هذه الصلة العائلية الخطيرة تضع الملف في خانة الجريمة المنظمة، إذ يتجاوز الأمر مجرد فساد إداري إلى مشروع إجرامي كامل الأركان.
التحقيقات أوضحت أن الأموال المختلسة لم تُصرف بشكل عشوائي، بل أعيد ضخها في السوق عبر شراء عقارات بأسماء الأبناء والزوجات والوالدين والأصهار. ومن بين الأسماء التي ظهرت إلى العلن المغني “حاتم إدار”، الذي وُجد اسمه مرتبطًا بعقارات شملها قرار العقل الاحترازي. الأخطر من ذلك أن المكلف السابق بالخزينة، قبل أن يفر إلى وجهة غير معلومة، قام ببيع فيلا فاخرة ببوسكورة في غشت 2024 وحوّل مبالغ ضخمة لأخيه غير الشقيق، الذي عمد إلى تأسيس ثلاث شركات جديدة بهدف تبييض هذه الأموال.
التفاصيل التي حصلت عليها صوت العدالة تشير إلى أن أفراد العصابة لم يكتفوا بالتحايل المالي، بل تجاوزوا ذلك إلى تمويل قتلة مأجورين لاستهداف المدير المالي والمدير العام السابقين، في محاولة للتغطية على الاختلاسات وإسكات كل الأصوات المزعجة. هذه الوقائع تجعل الملف أقرب إلى جرائم المافيا التي عرفها العالم في تجارب دولية، حيث يتقاطع المال القذر بالعنف والاغتيالات.
ومن بين المؤشرات التي ساعدت في تتبع مسار الأموال، ما نشره أحد المتورطين على حسابه في “إنستغرام” من صور ومقاطع فيديو يستعرض فيها أسطول سيارات فاخرة تتجاوز قيمتها ملايين الدراهم. ورغم أن المتهم سارع إلى حذف هذه المنشورات بعد إثارة القضية إعلاميًا، إلا أن المحققين تمكنوا من جمعها واستعمالها كقرائن قوية لتعزيز مسار البحث.
القضية اليوم مفتوحة على كل الاحتمالات، خصوصًا مع اتساع دائرة المشمولين بالتحقيق وصدور قرارات احترازية تقضي بإغلاق الحدود وعقل الممتلكات. مصادر قضائية أكدت أن الأيام المقبلة قد تكشف عن معطيات أكثر خطورة، خاصة في ظل عمليات التتبع المالي والتقاطعات بين مختلف الشركات والعقارات المشبوهة.
ما يتضح إلى حدود الساعة هو أن «كرونوبوست» لم تكن مجرد ضحية لاختلاس داخلي، بل وجدت نفسها وسط شبكة جريمة منظمة استهدفتها من الداخل والخارج، وعملت بكل الوسائل على إخفاء آثارها، حتى ولو كلف الأمر اللجوء إلى العنف.
جريدة صوت العدالة تتابع هذا الملف عن كثب، وستواصل نشر تفاصيله أولاً بأول، إيمانًا منها بدور الصحافة في كشف الحقائق وتتبع مسار العدالة في واحدة من أخطر قضايا الفساد المالي بالمغرب

