بهدوء غير مفهوم، وجد المغاربة أنفسهم أمام قرار وزاري مثير يقضي بسحب تراخيص إنتاج وتوزيع اللقاحات من معهد باستور المغرب، المؤسسة الوطنية التي راكمت قرابة مئة عام من الخبرة، وتحويلها إلى شركة خاصة يملكها أحد أعضاء الحكومة الحالية.
هذا التحوّل يطرح أكثر من علامة استفهام:
هل الأمر يتعلق بإصلاح إداري بحت؟ أم أننا أمام صفقة سياسية – اقتصادية تجعل الأمن الصحي رهينة في يد شركة محدودة المصالح؟
إنّ معهد باستور لم يكن مجرّد مؤسسة، بل صمّام أمان في وجه الأوبئة، وذراعًا استراتيجيًا للدولة في توفير الدواء واللقاح. إبعاده من هذا الدور هو:
إضعاف لسيادة الدولة على مجال حساس.
تقليص لخيارات التوازن بين المرفق العمومي والقطاع الخاص.
فتح الباب أمام احتكار السوق وما يرافقه من ارتفاع في الأسعار وفوضى في التوزيع.
الأغرب من القرار ذاته هو غياب النقاش العمومي: الإعلام الرسمي صامت، البرلمان غائب، والفاعلون السياسيون يتعاملون وكأنّ الأمر تفصيل إداري لا يستحق الاهتمام، بينما الحقيقة أنّه يمسّ جوهر الحق في الصحة والقدرة الشرائية للمواطن.
لقد كان المغاربة ينتظرون تعزيز دور المؤسسات الوطنية العريقة، لا تهميشها. وإذا استمر هذا النهج، فإننا لا نفقد فقط مؤسسة، بل نفقد جزءًا من السيادة الصحية، ونحوّل اللقاح من حق إنساني إلى سلعة تُدار بعقلية السوق.

