عاد العدد الثاني من المجلة العلمية “قضايا الشباب”، الصادرة عن وزارة الشباب والثقافة والتواصل (قطاع الشباب)، ليسلط الضوء على واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا في المشهد المغربي: العلاقة المتوترة بين الشباب والممارسة السياسية.
العدد لم يكتف بتشخيص العزوف، بل انخرط في تفكيك الأسباب العميقة خلف فتور الشباب تجاه الأحزاب وصناديق الاقتراع، مقترحًا مقاربات للإصلاح تبدأ من الداخل السياسي نفسه.
بين أزمة الثقة وشخصنة الأحزاب
أبرز ما جاء في دراسة الباحث جمال الشعاري من كلية الحقوق بالمحمدية، هو التأكيد على أن تصالح الشباب مع العمل السياسي لا يتأتى بمجرد خطابات تحفيزية أو إجراءات ظرفية، بل يتطلب إعادة هيكلة شاملة للحياة الحزبية، تبدأ من إعمال النقد الذاتي، وتشبيب القيادات، ومنح الشبيبات الحزبية استقلالية فعلية في القرار والتسيير.
الدراسة حذّرت من “شخصنة العمل الحزبي”، ومن القيادات التي لا تغادر مواقعها، معتبرة أن هذه الهيمنة تفرز الإحباط والانشقاقات، وتعطل مسارات التجديد السياسي، ما يدفع الشباب إلى الابتعاد أكثر عن العمل السياسي المنظم.
عوائق تقنية وثقافية تكرّس العزوف
وإلى جانب الأسباب السياسية، أشار التقرير إلى مجموعة من العراقيل التقنية والتنظيمية، أبرزها توقيت الانتخابات الذي يتزامن غالبًا مع عطلة الصيف، إلى جانب ضعف توزيع البطاقات الانتخابية، وتشابه أسماء الأحزاب، وتعقيدات نمط الاقتراع، وكلها عوامل تزيد من الفتور الشعبي العام، وخصوصًا لدى فئة الشباب.
من جهة أخرى، توقف التقرير عند تراجع منظومة القيم السياسية، مشيرًا إلى أن موجة العولمة الثقافية أسهمت في تفكيك الانتماء السياسي الكلاسيكي، لصالح سلوك احتجاجي غير منظم، يجد فضاءه في العالم الرقمي أكثر من الميدان السياسي التقليدي.
من أجل جيل فاعل لا متفرج
وفي ختام قراءتها التحليلية، دعت الدراسة إلى اعتماد رؤية سياسية تشاركية تُعيد الشباب إلى قلب القرار العمومي، وترتكز على الإنصات لانتظاراتهم ومخاوفهم، بدل الزج بهم في هامش البرامج السياسية الشكلية.
وهو ما يتماشى مع التوجيهات الملكية الواردة في خطاب الملك محمد السادس سنة 2012، والتي شددت على أن “الشباب ليس فقط هدفًا للسياسات العمومية، بل هو فاعل مركزي في صياغتها”.
هل تستجيب الأحزاب؟
في ضوء هذا التشخيص، تطرح المجلة تحديًا حقيقيًا أمام النخب الحزبية:
هل تملك الإرادة السياسية والجرأة التنظيمية لإعادة بناء الثقة مع الشباب؟
أم أن الجمود التنظيمي والمصالح الضيقة سيستمر في تكريس القطيعة، وتفويت فرصة تاريخية للاستثمار في طاقات الجيل الجديد؟
أسئلة مفتوحة، لكنها تعكس عمق التحول الذي يعيشه وعي الشباب المغربي، الذي لم يعد يبحث عن تمثيلية رمزية، بل عن شراكة سياسية حقيقية تضمن له موقعًا في مستقبل البلاد

