الرئيسية آراء وأقلام هل ستفهم الحكومة لغة الملك?

هل ستفهم الحكومة لغة الملك?

DSC 1240 e1739267829301
كتبه كتب في 3 أغسطس، 2025 - 5:22 مساءً

بقلم ذ /كفيل محمد/الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة
جاء الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش المجيد لسنة 2025 محمّلًا بدلالات استراتيجية تعكس تحولًا عميقًا في الرؤية التنموية للمغرب، حيث أكد جلالة الملك محمد السادس على أن التنمية لا تُقاس فقط بمؤشرات الاقتصاد الكلي أو وتيرة نمو الصادرات، بل بمدى انعكاس هذه المكاسب على الحياة اليومية للمواطن، في كل الجهات والمناطق دون استثناء. ومن هنا جاء التعبير البليغ: “لا مكان اليوم ولا غدًا لمغرب يسير بسرعتين”، ليختزل جوهر التحدي الذي يواجه النموذج التنموي الجديد، والمتمثل في ضمان العدالة المجالية والاجتماعية كركيزة للوحدة الوطنية والاستقرار المستدام.

وإن كان المغرب قد حقق، خلال العقود الأخيرة، قفزات نوعية في ميادين البنية التحتية، والتحول الصناعي، والانفتاح الاقتصادي، فإن هذه الدينامية لم تشمل بنَفس القوة العالم القروي والمناطق الجبلية والجهات التي ما تزال تعاني من ضعف الولوج إلى التعليم، والرعاية الصحية، والفرص الاقتصادية. وقد أظهر الإحصاء العام للسكان لسنة 2024، رغم ما حمله من مؤشرات إيجابية على المستوى الوطني، أن هناك جيوبًا من الفقر والهشاشة لا تزال قائمة، بل مزمنة في بعض الجهات. الأمر الذي يفرض على الحكومة تجاوز المقاربات التقليدية التي أثبتت محدوديتها، والانتقال نحو هندسة تنموية مندمجة تراعي الخصوصيات المحلية وتعتمد منطق الإنصاف لا المساواة المجردة.

وللخروج من حالة المغرب ذي السرعتين، لا بد من تعبئة وسائل عملية، أولها وضع خريطة دقيقة للهشاشة المجالية انطلاقًا من معطيات الإحصاء الأخير، بهدف توجيه الاستثمار العمومي نحو المناطق ذات الأولوية، ثم إطلاق جيل جديد من البرامج الترابية التي تقوم على التكامل بين الجهات، وتحفز التشغيل المحلي من خلال تثمين المؤهلات الخاصة بكل جهة. ولا يمكن تحقيق هذه النقلة دون إرساء صندوق خاص لتقليص الفوارق المجالية، وتوجيه الاستثمارات نحو مشاريع البنية الأساسية، والتعليم، والصحة، وربط المناطق المعزولة بشبكات الطرق والماء والكهرباء. كما يجب إشراك المجالس الجهوية والمجتمع المدني والمقاولات الصغرى في تحديد الحاجيات والبرامج، والقطع مع منطق التدبير من المركز نحو الأطراف.

ومن جهة أخرى، فإن التفعيل الواقعي لمضامين الخطاب يتطلب خطة زمنية واضحة المعالم؛ تبدأ بمرحلة تشخيصية تستغرق ستة أشهر، يتم خلالها تحديد الفجوات المجالية بدقة، تليها مرحلة مؤسساتية لإعداد النصوص التنظيمية وإحداث الصناديق وتحضير الشراكات، لتُطلق بعدها مشاريع تجريبية خلال السنة الأولى في جهات مستهدفة كنموذج، قبل أن تُعمّم تدريجيًا خلال السنوات الثانية إلى الرابعة، مع اعتماد آليات للتقييم المرحلي والتصحيح المستمر، وصولًا إلى السنة الخامسة التي يُفترض أن تشهد تثبيت النماذج الناجحة وإدماجها في السياسات العمومية بشكل دائم. إن اعتماد هذا المنهج المرحلي من شأنه أن يضمن نجاعة التنزيل وتفادي الفشل المتكرر للبرامج القطاعية المجزأة.

إن الرؤية الملكية لا تضع فقط تشخيصًا دقيقًا للخلل، بل تقدم أيضًا إطارًا استراتيجيًا للعمل، يتطلب من الحكومة أن تكون في مستوى اللحظة التاريخية، من خلال تقوية أدوات التنسيق، وتفعيل الجهوية المتقدمة، والقطع مع منطق التسويف والخطابات الفضفاضة. فإما أن نتقدم كمغرب موحد في سرعة واحدة، تُمكّن كل مواطن من حقه في التنمية والحياة الكريمة، وإما أن نخاطر بمزيد من التفكك المجالي والاجتماعي، وهو ما لا ينسجم مع المكتسبات التي راكمها المغرب، ولا مع طموحاته كدولة صاعدة بثقة في الداخل واحترام متزايد في الخارج.

مشاركة