بقلم :علاء الكداوي.
يحتفل الشعب المغربي الوفي، يوم 30 يوليوز 2025، بالذكرى السادسة والعشرين لاعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله عرش أسلافه المنعمين. مناسبة وطنية سامية تتجدد فيها أواصر البيعة والولاء، وتُستحضر خلالها معاني الوفاء بين العرش والشعب، كما تشكل فرصة سنوية للتأمل في مسيرة ملكية ملهمة، قادها جلالة الملك بحكمة وثبات منذ سنة 1999، واضعاً نصب عينيه خدمة الوطن والمواطن، وبناء مغرب قوي، عصري، متضامن ومتجذر في تاريخه وهويته.
وقد تميز خطاب جلالة الملك لهذه السنة بلغة الوضوح، وقوة الرسائل، حيث أكد حفظه الله أن المغرب سيواصل مسيرته التنموية رغم التحديات، وأنه لا تراجع عن ورش الحماية الاجتماعية الذي أطلقه جلالته بكل جرأة سنة 2020، معتبراً أن العدالة الاجتماعية ليست شعاراً بل التزاماً ملكياً وأفقاً استراتيجياً لتحقيق الكرامة لجميع المغاربة. كما شدد جلالته على ضرورة تنزيل مقتضيات الحماية الاجتماعية بشكل فعلي وملموس، وخاصة ما يتعلق بالتغطية الصحية الإجبارية، والتعويضات العائلية، والتقاعد، مؤكداً أن الدولة بجميع مؤسساتها ملتزمة بتوفير التمويل وتنزيل الإصلاح على أرض الواقع بدون تأخر أو تسويف.
وفي سياق متصل، وجه جلالة الملك رسائل قوية للمجتمع الدولي، مجدداً التأكيد على أن مغربية الصحراء أمر محسوم لا يقبل الجدل، وأن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 لا تزال تشكل الأساس الوحيد الجاد والواقعي لأي حل سياسي. كما نوه جلالته بالدينامية الديبلوماسية التي تعرفها القضية الوطنية، والتي أسفرت عن مواقف دولية متزايدة داعمة للوحدة الترابية للمملكة.
أما في الجانب الاقتصادي، فقد أشار جلالة الملك إلى التحديات العالمية التي انعكست على الاقتصاد الوطني، لكنه عبّر عن تفاؤله بقدرة المغرب على تجاوزها بفضل الإصلاحات البنيوية التي تم اتخاذها، داعياً الحكومة والفاعلين الاقتصاديين إلى تعزيز الاستثمار، وتبسيط المساطر، وإعطاء الأولوية للاقتصاد الأخضر، والطاقات المتجددة، والتكنولوجيات الحديثة. كما شدد جلالته على ضرورة إشراك الشباب في الدينامية الاقتصادية، وتوفير مناخ محفز للمقاولة الناشئة، ورفع العوائق أمام المبادرة الحرة.
وليس غريباً أن يحظى هذا الخطاب الملكي باهتمام واسع، لأنه امتداد لرؤية واضحة اختارها جلالة الملك منذ توليه العرش، حيث انخرط المغرب تحت قيادته في سلسلة من الأوراش الكبرى التي غيرت وجه المملكة، انطلاقاً من تحديث البنية التحتية، وبناء الموانئ الضخمة مثل ميناء طنجة المتوسط، وتوسيع الشبكة الطرقية، وإنشاء القطار فائق السرعة “البراق”، مروراً بإصلاح المنظومة القضائية والتعليمية، وتعزيز حقوق المرأة، ووصولاً إلى تأهيل المدن، وحماية التراث، وتوسيع نطاق الربط الكهربائي والمائي في العالم القروي، وكذا إدماج الطاقات المتجددة في المنظومة الوطنية.
كما عمل جلالة الملك على إطلاق مشاريع اجتماعية غير مسبوقة، في مقدمتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي ساهمت في الحد من الفقر والهشاشة، وتحسين شروط العيش في المناطق المهمشة. وعلى المستوى الصحي، أطلق إصلاحاً شاملاً يستهدف تأهيل المستشفيات وتعميم التغطية الصحية. أما في المجال الديني، فقد حافظ جلالته، بصفته أميراً للمؤمنين، على المرجعية الدينية المغربية الوسطية المعتدلة، مع إشعاع إقليمي ودولي لمؤسسات مثل معهد محمد السادس لتكوين الأئمة، الذي أصبح قبلة لطلبة العلم الديني من إفريقيا وأوروبا.
ولا يمكن الحديث عن عهد جلالة الملك دون التوقف عند حضوره القوي والقريب من نبض الشعب. فقد دأب جلالته على متابعة الوضعية الاجتماعية للمواطنين عن كثب، ولم يتردد في التدخل الشخصي في المحطات الصعبة، كما حصل في زلزال الحوز الأخير، حيث أعطى تعليماته الفورية لإغاثة المنكوبين، وتخصيص موارد ضخمة لإعادة الإعمار، وبناء مساكن لائقة للمواطنين.
كما كانت جائحة كورونا محطة فارقة، حيث برهن فيها الملك على علو حسه الإنساني والقيادي، من خلال إنشاء صندوق خاص لمواجهة الجائحة، وتوجيه الدولة لضمان تموين الأسواق، وتوفير اللقاح لجميع المغاربة مجاناً، وهي إجراءات لقيت إشادة دولية واسعة.
ولا يفوتنا في هذه المناسبة الغالية إلا أن نجدد الفخر بقيادتنا الرشيدة، ونرفع أسمى عبارات الشكر والعرفان لجلالة الملك محمد السادس، سائلين الله العلي القدير أن يحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم، وأن يمد في عمره، ويقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، ويشد أزره بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وأن يديم على وطننا نعمة الأمن والاستقرار، ويجعله دائماً في مقدمة الأمم.
دام العرش العلوي المجيد، ودامت المسيرة المظفرة تحت راية جلالة الملك، راية المجد والعزة والوحدة، وعيد عرش مجيد لكل المغاربة.

