صوت العدالة- معاذ فاروق
لسنا هنا لندخل سباقًا في مضمار اهترأت أرضيته من كثرة الدوس عليها بلا أثر. لسنا في مهمة لإعادة طلاء واجهات متهالكة، ولا لنكون نسخة جديدة في عرض قديم. جئنا لنضع حدًا لهذا النسق الذي أصبح يُنتج النفور بدل الثقة، والتهكم بدل الإيمان بالسياسة، والعزوف بدل المشاركة.
نحن في حزب الأمل لا ننافس أحدًا لأننا ببساطة لا نشتغل في ذات المدار. لسنا امتدادًا لمرحلة، بل انقطاعًا واعيًا عنها. لا نحمل معنا حقائب مليئة بالوعود الجاهزة، بل نحمل تصورًا شاملًا يتأسس على قناعة أن المواطن لا يحتاج إلى من “يتكلم باسمه”، بل إلى من يُشركه في صياغة القرار.
لقد سقط القناع عن كل ما هو مكرور، وأصبحت شعارات الأمس بلا وزن، لأن الممارسة عند الغالبية لم تتجاوز حدود الارتجال والسطحية. أليس من حق المواطن أن يتساءل: كيف يمكن لمن لم يغادر بعد ذهنية الزعامة الشخصية والتراتبية الكاريكاتورية أن يبني دولة حديثة؟ كيف ننتظر من أدوات تقليدية أن تنتج مؤسسات متجددة؟
إننا لا نؤمن بالاصطفاف من أجل الاصطفاف، بل نمارس العمل السياسي بمنطق الفاعل لا التابع، بمنطق التأسيس لا التنافس. نأتي من موقع الفكرة لا من موقع الغريزة. ومن هذا الموقع نعلن أننا لسنا في سباق مع “أشباح الماضي” ولا في معركة ضد “بنية متهالكة”، بل في معركة من أجل المستقبل، من أجل جيل يئس من وعود سقطت قبل أن تُقال.
نرفض أن نُستدرج إلى خنادق ضيقة، لأن المشروع الذي نحمله لا يمكن أن يُختصر في رقم انتخابي أو موقع بروتوكولي. مشروعنا إعادة الثقة، عبر لغة جديدة، وتصور جديد، ورؤية تتجاوز سقف اللحظة. فنحن لسنا مسكونين بهاجس “التموقع اللحظي”، بل مأخوذون بهاجس البناء المستدام.
من يرى فينا خصمًا، يخطئ القراءة؛ نحن مرآة، مرآة لما وجب أن يكون عليه العمل السياسي، لا بما هو كفاءة فردية، بل بما هو هندسة جماعية ومشروع قيمي طويل النفس. ومن يعتبر وجودنا تهديدًا فهو حبيس منطق التملك، لا منطق الخدمة.
أما الزمن السياسي التقليدي، بكل آلياته المعطوبة ومنطقه السلطوي المقنع، فنحن على يقين أن الزمن نفسه كفيل بإحالته إلى التقاعد المعنوي. وإننا لا نستعجل سقوطه، لأننا منشغلون بتشييد البديل.
لهذا نقولها بهدوء من يعرف وجهته: نحن قادمون، نعم، لكن ليس كصدى لما فات، بل كصوتٍ لما هو آت.

