في عز ما يُرفع من شعارات دعم البحث العلمي وتشجيع الكفاءات الوطنية، يعيش مئات طلبة الدكتوراه المستفيدين من منحة التميز المخصصة من طرف المركز الوطني للبحث العلمي والتقني (CNRST) وضعاً غير مفهوم، وُصف من طرف البعض بـ”اللامسؤول”، بعد توقف صرف المنحة منذ يناير 2025، في ظل غياب أي تواصل رسمي أو توضيحات من الجهات المعنية.
منذ أزيد من خمسة أشهر، لم يتوصل الطلبة بأي دفعة من المنحة التي تُصرف عادةً بشكل شهري، وفقاً لعقود موقعة بين المركز والطلبة، ما جعل كثيراً منهم في مواجهة مباشرة مع أزمات مادية خانقة، خاصة أن أغلبهم يعتمد بشكل كلي على هذه المنحة لتغطية مصاريف البحث والمعيشة.
“خدامين وما كناخدوش والو”
الغريب في الأمر، كما يروي عدد من الطلبة المتضررين، أن تأخر صرف المنحة لا يُوازيه أي تأخير في المهام والواجبات التي يقومون بها داخل الجامعات. فهم يشاركون في تأطير الطلبة، وتصحيح الامتحانات، وتدريس الوحدات، والمساهمة في الأعمال البيداغوجية والإدارية. “خدامين وما كناخدوش والو، صابرين غير على الله”، يقول أحد الطلبة في حديث مع “شوف تيفي”.
وتساءل عدد من الباحثين: كيف يُعقل أن يُطلب منا الالتزام والجدية، بينما يُقابل هذا العطاء بإهمال وصمت طويل الأمد؟ بل إن الأدهى أن CNRST لم تصدر أي بلاغ يوضح أسباب هذا التأخر، ولا قدمت تاريخاً محدداً لصرف المستحقات.
صمت رسمي وتأجيل دائم
المشكل، كما يصفه متضررون، لا يقتصر فقط على التأخر، بل في “الطريقة التي يُدار بها الملف”. لا بريد رسمي، لا بلاغ توضيحي، لا ردود على المراسلات، ولا حتى إشارة واحدة من المركز الوطني للبحث العلمي والتقني توحي بأنه يعترف أصلاً بالأزمة.
وفي وقت تُراكم فيه الإدارة التزاماتها، يُجبر الباحث على الوفاء بواجبه الكامل داخل الجامعة، وكأن شيئاً لم يكن. هذا الغياب التام للتواصل يُفقد الثقة في مؤسسة من المفروض أن تكون حاملة لهموم البحث وراعية لمساره.
ماشي صدقة.. هادي حقوق موقعة
يجمع عدد من طلبة الدكتوراه على أن المنحة ليست منة ولا هبة، بل هي حق موثق في عقد رسمي، تم التوقيع عليه وفق شروط محددة بين المركز والطالب، وتُلزم الطرفين بالوفاء بالتزاماتهما. “المنحة ماشي صدقة، راه كنخدمو بيها، كنصرفو على بحوثنا، كنشريو منها الكتب، كنسافرو للمؤتمرات.. وكنعيشو بيها”، تضيف باحثة من كلية الآداب.
ويؤكد هؤلاء أن تأخر المنحة يؤثر بشكل مباشر على سير البحوث والدراسات، بل قد يؤدي إلى انسحاب بعض الطلبة أو توقفهم عن التكوين بسبب الضغوط المالية والاجتماعية.
أكثر من أي وقت مضى، أصبح واضحاً أن دعم البحث العلمي لا يكون فقط بالكلمات، بل بالفعل الملموس، وبالاعتراف بالدور الأساسي الذي يقوم به الباحث داخل الجامعة والمجتمع.
فهل تتحرك الجهات المسؤولة، قبل أن يُجهز الإهمال على ما تبقى من الأمل لدى جيل كامل من الباحثين المغاربة؟

