ما أن أهيل التراب على جثمان الراحل الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي رحمه الله، حتى أطلت علينا ثقافة غريبة دخيلة، ذلك أن حربا خفية تدور رحاها حول موضوع الزعامة ومن يحق له الاتصاف بها، فإذا كانت وسائل الإعلام داخل المغرب و خارجه، أجمعت على دور الرجل الوطني في النضال من أجل الاستقلال، وإسهامه الفعال في بناء توافق ديمقراطي، فإن كثيرا من أبناء اتجاهات سياسية أخرى سارعت إلى إلباس حلة الزعامة برموزها الحزبية، وما زاد الأمر خطورة، أن هذا التسارع المتهافت لم يكن حبيس القواعد فقط، بل حشد أسماء سياسية حزبية وازنة، دخلت في حلبة الصراع على لقب الزعامة، ليؤشر الوضع على موضوع خطير، لمن الولاء للحزب أم للوطن؟
إن من أهم مناقب الراحل الزهد و البعد عن المنح و العطايا، وشهد له بذلك الملك الحسن الثاني رحمه الله قائلا:“إنني أقدر فيك كفاءتك وإخلاصك، وأعرف جيدا، منذ الاستقلال أنك لا تركض وراء المناصب بل تنفر منها باستمرار”.
لقد تعالت أصوات بددت هندسة الرجل للتوافق الديمقراطي التناوبي زمن الحسن الثاني رحمه الله، وكذلك ذكرت بأن حكومة اليوسفي رحمه الله، هي من أدخلت المغرب خندق الخوصصة، وهكذا تبادل مناصروا الأحزاب التهم و ردودها، وكأننا نسير في سيناريو لبنان، حيث تشكل الأحزاب أوطانا بشعوب مستقلة عن الوطن الأم.
إن الزعامة ليست زهرة تقطف لترصع جبين السياسي، إنها كلمة ينطق بها التاريخ و تشهد عليها الشعوب، ولست هنا لكي أثبتها لأحد بعينه، ولكن أقترح معايير لنيلها، فإذا كان عبد الرحمان اليوسفي رحمه الله، عاش عفيف النفس قاطع الأمل في المنح و التعويضات، رافضا بكل ديبلوماسية لهدايا ملكية، فإن هذه الأخلاق تعتبر محكا لباقي السياسيين بما فيهم البرلمانيون والنواب وغيرهم، في التعبير عن المنهج نفسه، والترفع عن إغراءات المناصب، والتعويضات الضخمة، لكي يسيروا على طريق الزعامة، فيذكرهم الشعب يوما بخير.
إن الطريق نحو الزعامة السياسية مفتوح أمام جميع السياسيين، و الحصول عليه لا يكون بهتافات الجماهير داخل الحزب، وإنما بسلوكات صادقة عملية تشذ عن التيار الغالب المتهافت على بريق المال.
طارق مرحوم
اليوسفي و حرب الطائفية

كتبه Aziz Benhrimida كتب في 7 يونيو، 2020 - 3:59 صباحًا
مقالات ذات صلة
8 ديسمبر، 2025
المغرب: وجهة رياضية واستثمارية عالمية،قوة قادمة تنافس قطر.
بقلم عبد السلام اسريفي مع الثورة الكبيرة في البنيات التحتية الرياضية والتطور المتسارع للقطاعات الموازية، أصبح المغرب اليوم المنافس الأبرز [...]
8 ديسمبر، 2025
قضاء…سيدي أمين العلمي: نموذج للقضاء الفعّال والقريب من المواطن بالمغرب
بقلم عبد السلام اسريفي يمثل الأستاذ سيدي أمين العلمي نموذجًا متفردًا في قضاء القرب بالمغرب، حيث يجمع بين الكفاءة القضائية [...]
8 ديسمبر، 2025
8 تطورات أربكت الجزائر بعد صدور القرار الأممي 2797 المتعلق بالصحراء المغربية
بقلم: الاستاذ عبد الهادي مزراري رفضت الجزائر، بطريقة غير معلنة، قرار مجلس الأمن رقم 2797 المتعلق بنزاع الصحراء المغربية. ورغم [...]
7 ديسمبر، 2025
“تجاويف الخيانة ووشم البوح… رحلة الأستاذ رشيد المنجري في هندسة الألم الإنساني”
بقلم: حبيل رشيد يقول جان بول سارتر إنّ الخيانة نصّ ناقص لا يفهمه صاحبه بل من يتأمّل أثره، وربما لهذا [...]
