الرئيسية أحداث المجتمع اللهطة في زمن كورونا … أوعندما ننساق وراء “اللاشعور المعرفي”

اللهطة في زمن كورونا … أوعندما ننساق وراء “اللاشعور المعرفي”

IMG 20200315 WA0067
كتبه كتب في 15 مارس، 2020 - 8:46 صباحًا

ملف الاسبوع :

بقلم : ذ. لحسن شافع

صوت العدالة :

وجدتني موجة أخبار ومستجدات تفشي وباء كورونا أو ما يسمى بفيروس “كوفيد19” منكبا على قراءة سلسلة “نقد العقل العربي” للراحل محمد عابد الجابري، وأمام توالي أخبار هذه ” الجائحة” خاصة الإجراءات التي أقدمت عليها السلطات المغربية، وما رافق ذلك من تعليقات وآراء على وسائل التواصل الاجتماعي، حدثتني نفسي بالكف عن قراءة كتاب ” تكوين العقل العربي “، وتأجيل ذلك إلى إشعار أخر، والانخراط والتفاعل مع مجريات الأحداث حولي، بيد أن الأمر لم يكن بتلك السهولة، فالكتاب له سحر يجبرك على إتمام قراءته في أحلك الظروف، فاكتفيت باطلالات متفرقة على مستجدات الأحداث.

وما هالني من هذه المستجدات؛ صور وفيديوهات انتشرت تظهر جزءا من الطبقة المتوسطة قد اكتسحت الأسواق الممتازة لشراء أكبر كمية ممكنة من المواد الغذائية خوفا من قادم مجهول، وتحضيرا لجائحة محتملة بسبب وباء كرورنا..؟؟ رغم أن الأمر لا يستدعي ذلك، فالأمر غير مرتبط بجفاف أو بندرة محتملة لتلك المواد، علما أن السلطات الحكومية أكدت توفر ما يلزم المواطنين منها لأشهر بشكل عادي، ثم ما فائدة شراء مؤونة شهر أو أشهر؟ هل هذا الأمر مثلا، سيعفيك من مجابهة الجوع ل تطورت الأمور “لا قدر الله” إلى ما لا تحمد عقباه؟ أليس من الأجدى أن يقتني الفرد منا ما يحتاجه فقط؟ أليس من أخلاقي، والديني وحتى الإنساني أن نترك للآخرين ما لا نحتاجه؟ وندع الأمور تسير سيرا عاديا وألا نتسبب في خلخلة موازين العرض و الطلب بالسوق؟ ثم ما هذه “اللهطة” والعقلية لدى هذه الشريحة من المواطنين؟
أسئلة تركتها معلقة، وعدت لاستئناف قراءتي للجابري، لأجد هذا الأخير -وكأنه سمعني- يجيب على هذه الأسئلة!!

فأثناء تطرقه لمفاهيم اعتمدها محمد عابد الجابري في مشروعه “نقد العقل العربي” أورد أن مفهوم “اللاشعور المعرفي” هو جملة من المفاهيم والتصورات والأنشطة الذهنية التي تحدد نظرة الإنسان العربي إلى الكون والإنسان والمجتمع والتاريخ … (تكوين العقل العربي ص: 37)، فهذا اللاشعور المعرفي يوجه بكيفية لا شعورية رؤاهم الفكرية والأخلاقية ونظرتهم لأنفسهم وغيرهم (تكوين العقل العربي ص: 41).

فجزء من الطبقة المتوسطة الجديدة ما زال في وعيها اللاشعوري قصص آباءهم وأجدادهم عن سنوات القحط والجفاف والأوبئة … فقصدوا لا شعوريا مراكز التبضع للتزود بأكبر قدر من المواد الأساسية كرد فعل على “جائحة محتملة” مكررين سلوك الأجداد ذاته الذي بقي راسخا في أذهانهم، متناسين أنهم يعيشون في سنة 2020، زمن منظومة قيم جديدة ومتجددة، منسلخين بذلك عن وطنيتهم التي تتطلب التضامن والتآزر ونكران الذات، وعن مكانتهم الاعتبارية كطبقة نالت نصيبا من التعليم والوعي.
هل فعلا صدق فيها توصيف الراحل محمد عابد الجابري بكوننا نعيش “زمنا ثقافيا غير زماننا”!!؟؟ نشتغل بآلياته وقواعده، وبالتالي نعيد إنتاج ما أنتج آباؤنا وأجدادنا بعيدا عن كل مظهر من مظاهر الإبداع والتجديد وملائمة العصر.

فلا يعقل أن نواجه تحديات 2020 بنفس المنطق الذي واجه به أجدادنا تحدياتهم منذ قرون، وكأن الزمن ثابث لا يبرح مكانه، هل الزمن الثقافي العربي راكد إلى هذه الدرجة !!؟ الدعوة إلى إستحضار الماضي ليست بالضرورة دعوة للاشتغال بأدواته وآلياته؛ بل للحصول على تراكم إيجابي يمكننا من تجويد وتحسين الخيارات والإجراءات المتخذة.

خوفي الشديد أن ينطبق على حالنا توصيف العلامة ابن خلدون : ” بليد الطبع والعقل أو متبلد..ينسج ..صورا قد تجردت عن موادها، وصفاحا انتضيت من أغمادها، ومعارف تستنكر للجهل بطارفها وتلادها، إنما هي حوادث لم تعلم أصولها، وأنواع لم تعتبر أجناسها” ( المقدمة ص:6).

سيد الزوين في : 14 مارس 2020.

مشاركة