في درسه الأخير الذي تلاه على عجل أما الملك في افتتاح الدروس الحسنية لرمضان 1438 ه، أورد وزير الأوقاف جملة من الآراء الفقهية، أطلق عليها وصف “المخالفات المذهبية الجزئية”، وحشرها دفعة واحدة ضمن “الخدوش والنشوزات” التي تؤثر على الانسجام والتناسق الذي يميز الوحدة الدينية للأمة المغربية، وذكر منها مسألة القبض في الصلاة.
وقد بينا سابقا أن الوزير المذكور، خالف برأيه هذا، السنة النبوية المتواترة أولا، والإمام مالك ثانيا، وأعلام المذهب ثالثا، وعلماء المغرب رابعا، والقواعد الأصولية خامسا.
ونورد في هذا المقام مخالفة سادسة للوزير، وهي مسألة لطيفة، وتتجلى في مخالفته للملك الحسن الثاني، الذي كان يمثل إمارة المومنين.
ألقى الملك الحسن الثاني في رمضان 1386 ه درسا حسنيا أمام جمهرة من علماء المشرق والمغرب، قال فيه الآتي : “فأنا أواخذ على تلميذ الإمام مالك عبد الرحمن ابن القاسم رحمه الله، وعفا عنا جميعا، أنه جعل تغميض العينين من المكروه، كما أنه خالف في الصلاة قول النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : (صلوا كما رأيتموني أصلي) وذلك لأن البني صلى الله عليه وسلم كان يقبض في صلاته، فقالوا: «مازال صلى الله عليه وسلم يقبض حتى قبض» بمعنى حتى مات”.
هنا يقف الحسن الثاني ندا لند مع ابن القاسم رحمه الله، ويناقشه، وينتقده، ويسجل مؤاخذته عليه. وبعده، حاول أن يبين علة القبض ومقصده، فقال: “معنى القبض في الصلاة، لقد حاولت أن أفهم معنى القبض، فقال البعض: لئلا يعبث المرء بيده عند صلاته، أظن، فالنبي صلى الله عليه وسلم كجميع الأنبياء والرسل كانت لهم معرفة دقيقة بالرياضيات، فكانوا يصومون ويواصلون الصيام، وكانوا يمشون كثيرا على أرجلهم، وكانوا يعتزلون الناس، والنساء، فترات طويلة، كأنما عندهم شيء من العلم بما يسمى اليوم «باليوكا»، ورياضة اليوكا تقتضي أول ما تقتضي بأنه إذا كان الإنسان يفكر، وكان دمه يدور من روحه، فهو بمثابة أسلاك كهربائية، فمتى شد على أعضائه كلها، لم يضع شيء من تلك الطاقة الكهربائية النفسية، أما إذا أسدل يديه، فسيكون شل تلك الخطوط الكهربائية التي تلقى على الأرض، فيضيع ضوؤها، وتضيع قوتها، ولا يمكن ذلك الدوران الروحي والمادي في القلب الذي يخلق التخشع، والذي يجعل الإنسان يصبر على الجوع، ويصبر على البرد، ويصبر على التعب”.
فالحسن الثاني لا يكتفي بانتقاد ابن القاسم، والانتصار للقبض، بل يعلله ويبين مقصده، مما يدل على أنه قناعة راسخة عنده.
إذن، نحن الآن بين قولين متناقضين، قول وزير الأوقاف، وقول الملك، وقد يحاول البعض التوفيق بينهما، متذرعا بفعل الملك الحسن الثاني الذي كان يسدل يديه، وهذا توفيق غير موفق، لأن قول الملك عام، وفعله خاص، وقد يكون الفعل ناشئا عن اعتبارات خاصة لا تعم جميع الناس، لذا لا يجوز الاعتماد على الفعل.
وقد يقول قائل: إن سكوت الملك محمد السادس على ما قاله الوزير التوفيق يعد إقرارا له، وهذا غير صحيح أيضا، لأن الدرس ومضامينه ملزم لقائله وصاحبه، ولا يلزم غيره.
وفي الأخير، نسائل معالي الوزير الموقر، هل يحق لكم وصف رأي فقهي صادر عن إمارة المومنين ب”الخدوش والنشوزات” و”المخالفات المذهبية الجزئية”؟
أحمد التوفيق وجها لوجه مع الحسن الثاني

كتبه Aziz Benhrimida كتب في 3 يونيو، 2017 - 1:40 صباحًا
مقالات ذات صلة
8 ديسمبر، 2025
المصطفى ايت واجة مرشد سياحي مراكشي يبادر لدعم سائحة إيطالية تعرضت لسرقة بالمدينة القديمة
أبو إياد / مكتب مراكش في مبادرة إنسانية تعكس روح التضامن التي تميز أبناء مراكش وفعالياتها السياحية، أعلن المرشد السياحي [...]
8 ديسمبر، 2025
مدينة القنيطرة تتغير… والأمن يتقوى بقيادة والي أمن استثنائي
صوت العدالة / القنيطرة – ع.ك تشهد مدينة القنيطرة خلال السنوات الأخيرة تحولاً ملموساً على مستوى الأمن العام، وذلك بفضل [...]
8 ديسمبر، 2025
عملية “رعاية” تعبئ موارد طبية وبشرية واسعة لحماية ساكنة فاس–مكناس من موجة البرد
أطلقت المديرية الجهوية للصحة والحماية الاجتماعية بجهة فاس–مكناس، يوم 15 نونبر 2025، النسخة الحادية عشرة من عملية “رعاية“، التي تمتد [...]
8 ديسمبر، 2025
بالصور : المركز القضائي للدرك الملكي باب دكالة يطيح بشبكة للاتجار في المخدرات ويوقف أخطر مطلوب للعدالة بدوار زمران بتاسلطانت – مراكش
أبو إياد / مكتب مراكش في عملية أمنية محكمة نفذها المركز القضائي للدرك الملكي بباب دكالة، تمكنت الفرق الدركية، في [...]
