الرئيسية إجتهادات وقرارات قضائية ( الجزء 1) الحماية القضائية المدنية للحقـــوق الخاصة بـالقانون 08-09 وفق قواعد المسؤولية المدنية

( الجزء 1) الحماية القضائية المدنية للحقـــوق الخاصة بـالقانون 08-09 وفق قواعد المسؤولية المدنية

Screenshot 20200426 153330.png
كتبه كتب في 26 أبريل، 2020 - 3:21 مساءً

من إعداد : الأستاذة لطيفة بوروضا
باحثة قانونية..

الجزء 1

تمهيـد:
عمل المشرع المغربي من خلال قانون 08-09 على وضع حماية قانونية لحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات الشخصية وذلك من خلال منحهم مجموعة من الحقوق تضمن لهم حماية مبدئية لحياتهم الخاصة وحرياتهم الشخصية وتتمثل في حقهم في الإخبار وإجبارية الحصول على موافقتهم قبل الإقدام على المعالجة، وأيضا حقهم في التدخل في أي مرحلة من مراحل إنجازها، في حالة قبولهم إياها، وفي نفس الوقت ألزم المسؤولين بمجموعة من الالتزامات التي يتوجب عليهم احترامها، ويتعلق الأمر إما بضرورة الحصول على الإذن المسبق أو الالتزام بالتصريح بالإضافة إلى الالتزام بسرية المعالجة وبسلامتها.

Screenshot 20200426 130414 1

وتعزيزا لهذه الحماية التي يقرها النص التشريعي ويعترف بها إلا أنه لا يختلف اثنان في كون القضاء، يعتبر ملاذا أخيرا وحارسا أساسيا وصخرة صلبة يستند عليها المجتمع لضمان حقوق الأفراد وحرياتهم الفردية والجماعية وتحقيق التوازن بين المصالح المتعارضة، بغية تحقيق العدالة والمساواة أمام القانون، وهو دور من شأنه أن يعكس رغبة المشرع المغربي في ضمان الحماية القانونية للمعطيات الشخصية، نتيجة للانتهاكات العديدة للخصوصيات والتي فرضت تدخل القضاء في حل النزاعات ذات الصلة بالقضايا التي كانت تعاني في السابق من فراغ تشريعي خاصة في المجالات المعلوماتية().وطالما أن القانون يمنع المساس بالمعطيات الشخصية والحقوق المنبثقة عنها كأهم عنصر من عناصر الحياة الخاصة فإن كل خرق لأحكام القانون يؤدي إلى إعمال سلطة القضاء بتطبيقها للجزاء، وتتمثل سلطة القضاء في إطار حماية الحقوق الخاصة بقانون 08-09 بإعمال قواعد المسؤولية المدنية.
وحري بالذكر أن القواعد العامة في المسؤولية المدنية تنهى عن الإضرار بالغير سواء كان ذلك النهي صريحا أو ضمنيا، كما أنها تفرض على الكافة واجب بذل العناية اللازمة والتبصر الكافي عند ممارسة أفعالهم وأعمالهم، فإن صدر عن شخص فعل غير مشروع لزمه تعويض الضرر الذي ألحقه بالآخرين وتعتبر المعطيات الشخصية من الحقوق التي تستظل بمظلة الحماية المدنية مثلها مثل باقي الحقوق()، لما توفره هذه الحماية لصاحب الحق من طلب اقتضاء حقه في التعويض عن الضرر الناجم عن أي تعدٍّ على الحياة الخاصة سواء أكان هذا الاعتداء ناتج عن مسؤولية تقصيرية أو نتيجة إخلال بالتزام ناشئ عن عقد().
وفي هذا الإطار نص المشرع المغربي على غرار نظيرة الفرنسي وبعض التشريعات العربية على أحقية صاحب الحق بالتقدم إلى المحكمة المختصة بالنظر في القضايا المدنية على اعتبار أن كل تعد على الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية من حيث الأصل يمثل خطأ مدنيا موجبا للتعويض()، ولعل هذا ما كرّسته مقتضيات المادة 9 من القانون المدني الفرنسي التي ينص فيها على أنه: “للجميع الحق في احترام حياته الخاصة” حيث قضت إحدى المحاكم بان التقاط صور لأحد الأشخاص في فندقه الخاص دون الحصول على إذنه الصريح يعتبر مساسا بحياته الخاصة().
وتجدر الإشارة إلى أن التشريع المغربي لا يحتوي على نص قانوني مماثل للفصل التاسع من القانون المدني الفرنسي، فإن ذلك لا يمنع من الرجوع إلى النصوص العامة الواردة بقانون الالتزامات والعقود والمتعلقة بالنظرية العامة للمسؤولية المدنية.
فيمكن ان نعتبر أن كل فعل ضار ماسٍ بالحياة الخاصة من شأنه أن يؤدي إلى طلب التعويض عنه لفائدة المتضرر وذلك إذا توفَّرَ العنصران الآخران (الضرر والعلاقة السببية).
ومن هنا فإنه لدراسة الحماية القضائية المدنية للحقوق الخاصة بالمعطيات الشخصية وفق قواعد المسؤولية المدنية سوف نتطرق لقيام المسؤولية المدنية وآثارها القانونية (المطلب الأول) وللاختصاص في دعاوى حماية الحقوق الخاصة بالمعطيات الشخصية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: قيام المسؤولية المدنية وآثارها القانونية
تتضمن جميع التشريعات الوطنية أحكاما توضح التدابير المختلفة والتي تطبق في حالة الاعتداء على المعطيات الشخصية، لجبر الضرر، إما بإلزام أحد الطرفين على تنفيذ التزاماته التعاقدية أو الحكم عليه بالتعويض من خلال الدعوى القضائية التي يرفعها المتضرر إلى المحكمة المختصة على أساس قواعد المسؤولية المدنية حيث تطبق قواعد المسؤولية العقدية إذا كان الاعتداء على حق من الحقوق الخاصة قد صدر من شخص تربطه بالمعتدى عليه رابطة عقدية وتطبق قواعد المسؤولية التقصيرية إذا كان مصدر الاعتداء هو الغير الذي لا تربطه به أي رابطة عقدية، وطبقا للقواعد العامة متى تبينت مسؤولية المعتدي جاز للمحكمة الحكم بالتعويض لجبر الضرر الذي لحق صاحب الحق في الحياة الخاصة نتيجة الاعتداء على أحد حقوقه.
وطالما أن القانون يمنع المساس بالمعطيات الشخصية كأهم عنصر من عناصر الحياة الخاصة فإن كل خرق لأحكام القانون يؤدي إعمال سلطة القضاء بتطبيقها للجزاء وتتمثل سلطة القضاء في إطار الدعوى المدنية المتعلقة بحماية الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية في الحكم حسب أساس الدعوى وحسب الطلبات المقدمة من المطالب بالحق المدني، وتجدر الإشارة إلى أن التشريع المغربي لا يحتوي على نص قانوني مماثل للفصل التاسع من القانون المدني الفرنسي() فإن ذلك لا يمنع من الرجوع إلى النصوص العامة الصادرة بقانون الالتزامات والعقود والمتعلقة بالنظرية العامة للمسؤولية المدنية، فيمكن أن تعتبر أن كل فعل ضار ماس بالحياة الخاصة من شأنه أن يؤدي إلى طلب التعويض عنه لفائدة المتضرر وذلك إذا توفر العنصران “الضرر والعلامة السببية”().
وتأسيسا على ذلك يمكن القول أن كل تعدٍّ على الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية من حيث الأصل يمثل خطأ مدنيا موجباً للتعويض() وبقيام أركان المسؤولية المدنية يمكن للقاضي أن يحكم بالتعويض وذلك بإسناده مبلغا ماليا للمتضرر مقابل ضرره المادي والمعنوي.
وهكذا يأتي هذا المطلب في إطار تحديد كل من طبيعة المسؤولية المدنية وأركانها على أن نحدد بعد ذلك آثار المسؤولية المدنية.
الفقرة الأولى: المسؤولية العقدية والتقصيرية للمعتدي على المعطيات الشخصية
يكتسي تحديد المسؤولية المدنية للمعتدي على المعطيات الخاصة أهمية بالغة على اعتباره بمثابة تأصيل يتيح لنا استعراض أغلب المقتضيات التي يتعين علينا ذكرها بغية بسط الأسس التي تقوم عليها هذه المسؤولية وطبقا للقواعد العامة.
متى تثبت مسؤولية المعتدي جاز للمحكمة الحكم بتعويض وذلك بغية جبر الضرر الذي مس المعتدى عليه، نتيجة الاعتداء على حق من حقوقه المحمية.
وقبل الغوص في الحديث عن أركان المسؤولية المدنية وما ينتج عن هذه المسؤولية من أركان، يجدر بنا أولا التطرق لأساس هذه المسؤولية مما سيسنح لنا من خلاله معرفة طبيعتها هل هي مسؤولية عقدية أم تقصيرية؟ أم هما معا؟
1: الطبيعة القانونية للمسؤولية المدنية في حالة الاعتداء على المعطيات الشخصية
يقصد بالمسؤولية المدنية عموما في مجال العدوان على المعطيات الشخصية، المسؤولية بنوعيها العقدية والتقصيرية، فقد يكون فعل التعدي ناشئا عن الإخلال بالرابطة العقدية، كما هو الحال في عقد التجارة الإلكترونية مما يتطلبه التعاقد من إرسال عدد من المعطيات والبيانات والصور والأرقام وتبادل المعطيات() فإذا ثم نشر أحد البيانات بدون إذن صاحبها فإن ذلك يشكل عدوانا على حق من الحقوق الخاصة، وقد يكون الاعتداء ناشئا عن أفعال تصدر من الغير تنشئ ضررا قد يكون ماديا أو معنويا يتمثل في إلحاق خسارة مادية بالشخص أو تفويت مكسب عليه، وهذا يظهر في صور الخلط في الأصوات، فإذا قلد صوت ممثل مشهور في إعلان ما، فإنه يستحق تعويضا ماديا وهذا لأن هذا الممثل لا يشترك في هذه الإعلانات، ولو أراد ذلك لحصل على أجر كبير جدا(). فالاعتداء في هذه الحالة تنجم عنه المسؤولية المدنية التقصيرية.
وتحدد المسؤولية المدنية، بما يؤدي إليه من ثبوت الحق في التعويض للمضرور وهو الجانب المهم في نطاق البحث عن أية حماية قانونية، إذ أن المتضرر عادة ما يهتم بالمسؤولية المدنية، أكثر من اهتمامه بما عداها من المسؤولية الجنائية أو التأديبية فالعقوبات هي حق المجتمع ويبقى بعد ذلك للمتضرر الحق في المطالبة بتعويض يساعده ولو جزئيا على جبر ما ألم به جراء الجريمة، وعليه تتضح أهمية البحث في المسؤولية المدنية التي تثار بصدد الأضرار التي تسببها الانتهاكات التي تطال حق من حقوق الحياة الخاصة ونذكر كمثال الاعتداء على البيانات التي تبث عبر شبكة الأنترنيت ولاشك في أن تحديد هذه المسؤولية تحديدا في المثال الوارد ذكره ونطاقها أمر لا يخلوا من الصعوبة والتعقيد نظرا لتعدد المتدخلين في عملية الإنترنت، واختلاف أدوارهم، ومن ناحية أخرى فإن الفراغ القانوني الذي ما زال يحيط تنظيم هذه الشبكة وما يتفرع عنها من مشاكل وما ينتج عنها من آثار يؤدي إلى صعوبة خضوعها بشكل كامل لنظام قانوني قائم().
أما من جهة أخرى فالدعوى التي يرفعها المعتدى على معطياته الخاصة، تعد دعوى مسؤولية مدنية يرفعها على المتسبب بالاعتداء، وقد يكون موضوع هذه الدعوى إما مسؤولية عقدية أو مسؤولية تقصيرية – كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك سلفا – وذلك بحسب علاقة المعتدى على حياته الخاصة بالمتسبب، فإذا وقع الاعتداء من شخص أجنبي فإن قواعد المسؤولية عن الفعل الضار – المسؤولية التقصيرية – في القانون المدني تكون هي الواجبة التطبيق، وعند التعذر القانون الأجنبي مرورا بقاعدة الإسناد الوطنية().
أما إذا وقع الاعتداء من قبل شخص تربطه بصاحب الحق في المعطيات الشخصية علاقة تعاقدية فإن قواعد المسؤولية العقدية هي التي تحكم الدعوى وما على صاحب الحق إلا أن يثبت وجود الرابطة التعاقدية – العقد الصحيح – بينه وبين المعتدي ثم ينتقل عبء نفي إخلاله بالتزامه العقدي، إما بسبب القوة القاهرة أو بسبب أجنبي عنه.
ويتجه فقه القانون بصفة عامة، إلى أنه إذا توفرت أركان المسؤولية المدنية بنوعيها العقدية والتقصيرية وهي الخطأ، الضرر والعلاقة السببية في جانب المعتدي على حق المعطيات الشخصية وتأكد القضاء من وجودها فإن المحكمة تقرر التعويض بهدف إزالة الضرر وإعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر.
أ)- المسؤولية العقدية للمعتدي على المعطيات الشخصية
إن المسؤولية العقدية() تتحقق كقاعدة عامة، إذا وجد عقد بين المسؤول والمضرور، من خلال تعويض الطرف الأول للمضرور عن مختلف الأضرار التي تلحقه نتيجة عدم تنفيذ التزاماته الواردة في هذا العقد، أو تنفيذه تنفيذا معيبا أو غير كامل أو تأخره في التنفيذ() .
وبذلك فالمعالج بالتزامه التعاقدي أو القانوني عليه الحفاظ على سلامة المعطيات الشخصية وإلا تقوم مسؤولية التعاقدية.
وكمثال على ذلك المعالج لملفات الشغل فمعالجة المعطيات المتعلقة بإجراء المقاولة تعد إحدى وسائل هذه الأخيرة في تنظيم وتيسير العمل داخل مرافقها، إذ تعمل أغلب المقاولات على إعداد قوائم المستخدمينles anneraires du personnel التي تحتوي على مجموعة من المعلومات الأساسية المتعلقة بالأجراء منها، الاسم تاريخ ومكان الازدياد، الحالة العائلية، رقم البطاقة الوطنية، رقم الحساب البنكي وكذا رقم الهاتف والبريد الالكتروني لكن معالجة المعطيات الشخصية للعامل في إطار التكنولوجيا والتقنيات الحديثة يمكن أن تشكل خطرا على الحياة الخاصة وعلى المعطيات الشخصية للعامل.
بمجرد إبرام العامل لعقد العمل يكون قد وافق على الخضوع لمعالجة معطياته إما عن طريق ملفات يدوية أو ميكانوغرافية، إلا أنه في ظل التوسع في استخدام التكنولوجيا الحديثة أصبحت هذه المعالجة تتجاوز هذه السلطة لما لا يجوز المساس به فمثلا أنظمة مراقبة العمال عن طريق التصوير بالكاميرات من المراقبة التناظرية vidéo surveillance ana logique إلى المراقبة التلفزيونية الرقمية vidéo surveillance numérique بما يعني القدرة على تخزين معلومات الصورة والصوت ومعالجتها بواسطة الحاسب الآلي الأمر الذي يشكل خطر على الحياة الخاصة للعامل().
فالاعتماد على تقنية كاميرا المراقبة يسمح بالتقاط صور للعامل فحق العامل في الصورة كحق من الحقوق المخولة له بمقتضى قانون حماية المعطيات الشخصية يجعل من التقاطها دون علمه أو رضاه بمثابة اعتداء على حياته الخاصة مما يحمل صاحب العمل عدم الوفاء بالتزامه وبالتالي قيام مسؤولية العقدية().
أيضا حتى فيما يتعلق باستغلال صاحب العمل لاسم العامل وفي هذا الإطار صدر قرار بتاريخ 11/10/2016 عن محكمة النقض من السيدة “ابتسام لمكدر” ضد شركة “مساء ميديا”، حيث طالبت الطاعنة بالتعويض عن الضرر الحاصل من جراء ادراج اسمها ضمن قائمة طاقم الجريدة إلى غاية 13/01/2010 رغم توقفها فعليا عن العمل منذ 10/12/2009 وهو ما تسبب لها في ضرر تجلى في حرمانها من البحث والاشتغال لدى مشغل آخر فقضت محكمة النقض بنقض وإبطال القرار المطعون فيه جزئيا فيما قضى به من رفض طلب التعويض عن استغلال اسم الطاعنة وإحالة القضية على نفس المحكمة للبث فيه من جديد بهيئة أخرى().
أيضا في حالة التعاقد مع مؤسسة بنكية أو مؤسسة القرض فالمعطيات المسجلة من قبلها يلزم حمايتها وعدم إفشائها بالإضافة لخضوعها للمقتضيات القانونية المتعلقة بالسر البنكي فهي تخضع للمسؤولية العقدية في حالة استعمالها لغرض غير تسيير الحساب أو القرض.
فالقضاء الفرنسي في هذا الاتجاه أدان مسؤول مؤسسة بنكية قام بنشر لائحة سوداء لزبناء البنك ليطلع عليها التجار حتى تنبهوا إلى خطر عدم ملاءمتهم وأقر مسؤولية التعاقدية.
ب) – المسؤولية التقصيرية للمعتدي على المعطيات الشخصية
إن كل تعد على الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية من حيث الأصل يمثل خطأ مدنيا موجبا للتعويض() وبقيام أركان المسؤولية المدنية يمكن للقاضي أن يحكم بالتعويض وذلك بإسناده مبلغا ماليا للمتضرر مقابل ضرره المادي والمعنوي.
أما القانون الفرنسي فقد نص الفصل 9 من القانون المدني على الحق في الحياة الخاصة، وهو ما شكل إخراج الحق المذكور من نطاق المسؤولية المدنية –التقليدية – على أساس الفصلين 1382 – 1383 من القانون المدني الفرنسي وكرس حماية قضائية للفرد بما أنه يعفي الطالب من إثبات الضرر، ذلك أنه بمجرد الاعتداء على الحق تقوم مسؤولية المتسبِّبِ في الاعتداء، أي مسؤولية المسؤول عن المعالجة والمناول وفي ذلك تكريس لمفهوم الخطأ المفترض.
وفي إطار فقه القضاء المقارن طرح القضاء التونسي مسألة الأساس القانوني للتعويض وإمكانية الحكم بالتعويض بمجرد المساس بالحياة الخاصة والمعطيات الشخصية دون الرجوع للأحكام العامة للمسؤولية المدنية “التقصيرية” التي تفترض قيام الخطأ وثبوت الضرر وثبوت العلاقة السببية بين الخطأ والضرر.
وكان هذا بمناسبة قضية نظرت فيها محكمة الاستئناف تونس تتمثل وقائعها في تعمد شركة إلى أخذ صورة لرجل يبيع في مكان عام نوعا من أزهار الياسمين، ثم أدرجت الشركة المذكورة الصورة بروزنامة سنوية تم توزيعها على نطاق واسع، فقام ورثة صاحب الصورة ضد الشركة مطالبين بالتعويض عن الضرر الناتج عن استعمال الشركة لصورة مورثهم دون رضاهم في عرض دعائي().
وما يمكن ملاحظته من خلال القرار الاستئنافي هو أن المحكمة حاولت صياغة المبدأ المؤسس عليها موقفها ثم بعد ذلك بينت أوجه مخالفته من قبل الشركة وقضت بالتالي بالتعويض، دون أن تشير إلى السند التشريعي المؤسس عليها حكمها باعتبار أن قانون 27 يوليوز 2004 المؤطر لحماية المعطيات الشخصية لم يحدد أساسا خاصا بالمسؤولية المدنية للمسؤول عن المعالجة والمناول نتيجة الاعتداء على المعطيات الشخصية وهذا ما سار في ركبه المشرع المغربي من خلال القانون 09.08 حيث لم يحدد هو الآخر أساس المسؤولية المدنية – التقصيرية – أما بخصوص موقف فقه القضاء المقارن دائما يمكن الإشارة إلى ما قررته محكمة النقض المصرية() إذ جاء فيه أن النص في المادة 45 من الدستور على أن لحياة المواطن الخاصة حرية يحميها القانون وفي المادة 50 من القانون المدني على أن كل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصية أن يطلب وقف هذا الاعتداء مع التعويض عما يكون قد لحقه من ضرر، يدل على أن للحقوق الملازمة لشخصية الفرد ومنها حياته الخاصة حرية يحميها القانون، وأن الكشف عنها بطرق إعلانها للغير من شأنها أن تذيع دون إذن منه أسرارا عن حياته الخاصة يحرص على كتمانها أو تنطوي على أمور فيها مساس باعتباره وكرامته وهذا الأمر يعد اعتداء غير مشروع على هذه الحقوق يتحقق به ركن الخطأ الموجب للمسؤولية التي لا يدرؤها في هذا الخصوص إثبات صحة هذه الأمور فإذا ما ترتب على هذا الاعتداء ضرر، فإن المتسبب فيه يلتزم بتعويض، ويستوي في ذلك أن يكون ضررا ماديا أصاب في مصلحة مادية أو أدبية أو أصابه في معنوياته ومنها شعوره بالاعتداء على حقه الشخصي هذا وهو ما يعني أن كل من تضرر من الاعتداء على حياته الخاصة يمكنه طلب التعويض حسب الشروط العامة للمسؤولية المدنية().
وبما أن الحياة الخاصة تعتبر ركيزة أساسية لإرساء حماية للمعطيات الشخصية على حد قول الفقيه (Jean Frayssinet)() فإن كل اعتداء على تلك المعطيات يعتبر اعتداء على الحياة الخاصة يخول اللجوء إلى نفس قواعد وإجراءات الحماية المدنية وهو الموقف الذي سبق أن اتخذه فقه القضاء المقارن فيما يتعلق بحماية الحياة الخاصة.
وبخصوص عناصر المسؤولية التقصيرية في التشريع المغربي تخضع إلى النظرية العامة الواردة في قانون الالتزامات والعقود التي تستوجب وجود خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما().
2: أركان المسؤولية المدنية
تقوم المسؤولية المدنية طبقا للقواعد العامة على أساس الخطأ والضرر والعلاقة السببية كما نص الفصل 77 ق.ل.ع كل فعل ارتكبه الانسان عن نية واختيار ومن غير أن يسمح له به القانون فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر إذ ثبت ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر. وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الآثر”.
ونجد أن الفصل 78 ينص “كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه لا يفعلها فقط ولكن بخطئه أيضا وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر. وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الآثر”.
بذلك نجد أن الفصلين من ق.ل.ع هما اللذان يحددان المسؤولية عن العمل الشخصي.
وبذلك فإن المسؤولية الناشئة عن الفعل الشخصي تستوجب لتحققها أن يثبت المتضرر خطأ المدعى عليه والرابطة السببية بين الخطأ والضرر والحاصل لكن الجدير بالذكر وبالرجوع إلى المادة 50 من القانون المدني المصري والمادة 47 من القانون المدني الجزائري تعطيان لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصيته أن يطلب إلى جانب وفق الاعتداء الحصول على تعويض عما يكون قد لحقه من ضرر.
وبالتالي ليس هناك من جديد في مجال علاقة السببية بين الخطأ والضرر، حيث أنه إذا أثبت العلاقة بين الخطأ الماس بالحق في حرية الحياة الخاصة والضرر الناجم عنه، فإنه لا مجال من جبر الضرر الناتج.
بالنسبة للتشريع المغربي في إطار حماية المعطيات الشخصية لابد من توافر أركان المسؤولية الثلاث الخطأ، الضرر، العلاقة السببية.
· الخطأ:
الخطأ وفقا للرأي الراجح في الفقه() هو الإخلال بالتزام قانوني سابق يصدر عن إدراك والالتزام القانوني السابق هو الالتزام باحترام حقوق الكافة وعدم الإضرار بهم والعناية المطلوبة هي اتخاذ الحيطة والتحلي باليقظة والتبصر في السلوك لتحاشي الأضرار بالغير وهذا هو الخطأ التقصيري، أما الخطأ العقدي هو إخلال المدين بتنفيذ إلتزامه الناشئ عن العقد().
وباعتبارنا في إطار معالجة المعطيات الشخصية، فإن ذلك يفترض وجود خطأ في المعالجة التي تتم دون احترام مبادئ المعالجة كمبدأ إخبار وإعلام الشخص المعني بالمعالجة، ودون موافقته المسبقة والغايات غير المشروعة، وبعبارة أخرى فإن خطأ المسؤول عن المعالجة يتمثل في الإخلال بالتزام قانوني يتعلق باحترام مبادئ حماية المعطيات الشخصية وحقوق المعني بالأمر المنصوص عليها بقانون حماية المعطيات الشخصية باعتبار هو المسؤول عن صفات سلامة المعطيات الشخصية.
ولأنه هو الذي يتولى تحرير دفاتر وإنشاء بطاقات أو ملفات تجمع فيها تلك المعطيات ويتولى معالجتها بنفسه أو بإذن معالجيها وهي نفس الالتزامات المحمولة على المسؤول عن المعالجة بصور عامة، ويمكن القول أيضا أن خطأ المسؤول عن المعالجة يتمثل في الخطأ الناجم عن تقصير وإهمال وعدم انتباه.
فمثلا في مجال نشر الصورة فإن مجرد نشرها من دون رضا صاحبها يمثل خطأ يكفي لقيام مسؤولية الناشر، ولا يستبعد هذا الخطأ حتى لو دعى الناشر أن هناك رضا صادر من صاحب الصورة يسمح بنشرها طالما أنه لم يستطع إثبات هذا الرضا وإن خطأ الناشر لا يستبعد لمجرد أن الصورة المنشورة قد تم نشرها من قبل سواء برضا صاحبها صراحة أو ضمنا أو أنه قد تم تسامح على النشر السابق الذي تم من دون موافقته().
ويذهب الفقه() إلى ان المعتدى عليه يعفى من إثبات الخطأ أي أن الشخص صاحب الصورة لا يكلف بإثبات المدعى عليه، إلا أن الذمة تقتضي القول أن مجرد إثبات الاعتداء على الحق في الصورة يعني ثبوت الخطأ في جانب المدعى عليه.
والخطأ قد يكون تقصيريا إذ لا توجد هناك رابطة عقدية تربط بين من قام بالالتقاط أو النشر ومن صاحب الصورة، وقد يكون الخطأ عقديا إذا كانت هناك علاقة عقدية بين الناشر والملتقط والشخص صاحب الصورة كما لو اتفق الشخص مع المصور على قيامه بالتقاط ونشر مجموعة من صوره وحددها بالذات وحدد العدد المسموح بنشره فإذا بالمصور ينشر عددا كبيرا من العدد أو أن يقوم بنشر صورة غير الصور المتفق عليها().
ويذهب البعض من الفقه() إلى أن القاضي يتمتع بسلطة تقديرية بشأن توفر الخطأ من عدمه، بشرط أن يكون مبنيا على ما يسوغه من ظروف الدعوى والمستندات المقدمة فيها.
بالنسبة للقضاء الفرنسي لم يؤسس هذا الحق على أساس المادة 1382 من القانون المدني الفرنسي الخاصة بالمسؤولية التقصيرية()، بل أسسها على أساس الاعتراف بأن لكل شخص حق على صورته الشخصية ويقع على الغير واجب احترام هذا الحق، وهذا الواجب متميز ومستقل عن الالتزام بالتعويض فتجد القضاء الفرنسي() يقرر أن حق كل إنسان في الاعتراض على نسخ ملامحه هو حق مطلق، وأن حق كل فرد في أن يمنع عرض صورته تحت أي شكل كان حق لا نزاع فيه ونفى القضاء الفرنسي كذلك بأن التقاط صورة أي إنسان أو نشرها لا يمكن أن يتم دون الحصول على موافقة الشخص صاحب الصورة().
وينص القانون المصري في إطار المادة 50 على أن “لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصيته أن يطلب وقف الاعتداء مع التعويض مما يكون قد لحقه من ضرر”.
أما بالنسبة لموقف القضاء العراقي يمكن استخلاص موقفه من خلال قرارين صادرين عن القضاء العراقي: القرار الأول صادر عن محكمة بداءة العمارة في 29/06/2002(). الذي يعدُّ مظهرا من مظاهر الحياة الخاصة.
أما القرار الثاني فإنه صادر عن محكمة تمييز() إقليم كردستان العراق (في أبريل)().
· الضرر:
يعد الضرر ركنا أساسيا من أركان المسؤولية المدنية بصورة عامة لأنه كان بالإمكان تصور قيام المسؤولية من دون وجود الخطأ، إلا أنه لا يمكن تصور مسؤولية من دون وجود الضرر وخصوصا في مجال المطالبة بالتعويض، إذ أن التعويض لا يمكن أن يكون إلا عن ضرر أصاب المدعى(). والضرر هو الأذى الذي يلحق الشخص وهو إما ان يكون ماديا أو معنويا والضرر المادي هو الأذى الذي يلحق خسارة مالية بالمضرور فيؤدي إلى نقص في ذمته المالية أما الضرر المعنوي فهو الأذى الذي يلحق شرف الإنسان سمتعه واعتباره ومركزه الاجتماعي.
وفي المسؤولية التقصيرية يشمل التعويض كل ضرر مباشر متوقع أو غير متوقع() أما في المسؤولية العقدية فإن التعويض يشمل الضرر المباشر المتوقع فقط.
وفي مجال المعطيات الشخصية فعلى الشخص المعني بالمعالجة أن يثبت وجود الضرر، وهذا الضرر هو معنوي لأن الأمر يتعلق بالإعتداء على معطيات شخصية لكن السؤال الذي يطرح هنا يتعلق بكيفية إثبات ذلك الضرر، إن حصول الضرر يعتبر واقعة مادية على ذلك الأساس فإنه يجوز إثباتها بكافة وسائل الإثبات العادية والالكترونية التي استوجبها العالم الافتراضي خاصة بالنسبة للمعالجة الإلكترونية().
فمثلا في مجال الاعتداء على الحق في الصورة قد يكون الضرر معنويا وقد يكون ماديا.
الضرر المعنوي:() يذهب البعض إلى أن الضرر المعنوي هو ما يصيب الشخص في حق أو مصلحة غير مالية، في حين يرى البعض الآخر() أن الضرر الأدبي يشمل فضلا على ما تقدم كل ما يصيب الشخص من مجرد المساس بحق ثابت له، إذ من الطبيعي أن يتأذى شخص من المساس بأي من حقوقه ومصالحه وعواطفه، فالأذى النفسي الذي ينتج عن ذلك الاعتداء لا يمكن تجاهله أبدا.
وفي مجال الحق في الصورة فإن الضرر المعنوي يتحقق من فعل الالتقاط من دون الحصول على موافقة الشخص صاحب الصورة، فالاعتداء على هذا الحق من شأنه أن يولد في نفس الشخص أذى يلمس مشاعره وعواطفه مما يتوجب التعويض عن هذا الضرر أما في مجال النشر فإن الضرر الذي يصيب الشخص في شعوره من جراء نشر صورته هو ضرر يتوجب التعويض عنه، فنشر صورة سيدة تستخدم في بعض الكتالوجات التجارية من دون موافقتها أو استغلالها في تغليف البضائع فإن هذا يولد لها ضررا إذ أنه قد يعد من قبيل الإقلال من مركز الشخص الاجتماعي أو وقاره وهيبته لدى وسطه الاجتماعي، فإظهار الشخص بمظهر يخالف الحقيقة قد يسيئ إليه بصورة أو بأخرى() فكل هذه الممارسات تولد ضررا معنويا للشخص يستوجب التعويض.

ملحوضة : هذا البحث فهو من ثلاثة اجزاء.
قراءة ممتعة نتمناها لكم..

مشاركة