الرئيسية آراء وأقلام وضعية خدم المنازل قبل و في إطار مشروع القانون المتعلق بهم رقم 06-34

وضعية خدم المنازل قبل و في إطار مشروع القانون المتعلق بهم رقم 06-34

REDW.jpg
كتبه كتب في 16 يونيو، 2017 - 4:15 صباحًا

قراءة في وضعية خدم المنازل قبل و في إطار مشروع القانون المتعلق بهم رقم 06-34 ذة. أمينة رضوان دكتورة في الحقوق قاضية بالمحكمة المدنية بالدار البيضاء لم تخضع مدونة الشغل لأحكامها جميع الأجراء، بل عملت بمقتضى المادة الرابعة منها على استثناء مجموعة من فئات الأجراء، يتعلق الأمر بخدم البيوت و أجراء القطاعات التي تتميز بطابع تقليدي صرف بالإضافة إلى بعض الفئات الأخرى من الأجراء. ونقتصر من خلال هذه الدراسة على الفئة الأولى نظرا لخصوصية العاملين والعاملات بها. وقد أشارت مدونة الشغل إلى أن الأشخاص الذين تربطهم علاقة شغل بصاحب المنزل هم خدم المنازل، مشيرة إلى أن قانون خاص سيحدد شروط التشغيل والشغل المرتبط بهم، ومنذ ذلك الوقت صدر فقط مشروع قانون متعلق بهم، والذي صادق عليه مجلس الحكومة المغربي برئاسة رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران. هذا المشروع الذي عمل على استبدال تسميتهم إلى العمال المنزليين تكريسا لمفهوم العمل اللائق، وهو مكون من ستة عشر مادة موزعة بين خمسة أبواب. و قبل استقراء وضعية هذه الفئة من الأجراء في ظل أحكام هذا المشروع، سوف نعرج بداية إلى تحديد المقصود بهذه الفئة من الأجراء، و تحديد وضعيتها، و موقف القضاء منها قبل إقرار هذا المشروع، وفق الآتي: المطلب الأول : وضعية خدم البيوت قبل إقرار مشروع القانون الخاص بهم. المطلب الثاني : وضعية خدم البيوت في إطار مشروع القانون المتعلق بهم المطلب الأول : وضعية خدم البيوت قبل إقرار مشروع القانون الخاص بهم في هذه المرحلة عمل المشرع المغربي على استثناء خدم البيوت من تشريع الشغل دون أن يضفي عليهم تعريفا معينا، بخلاف ما صارت عليه عدد من التشريعات المقارنة، كالتشريع الفرنسي الذي عرفهم في المادة L772.1 من مدونة الشغل بأنهم: « كل الأجراء المشغلين عند الخواص في أعمال منزلية»، أو التشريع الإيطالي بمقتضى القانون رقم 339 المؤرخ في 02 أبريل 1958 الذي « يحدد مجال العمل المنزلي بالنسبة للأشخاص الذين يمارسون أعمالا لحساب مشغل واحد، وعلى الأقل أربع ساعات في اليوم»، أو التشريع التونسي من خلال الفصل الأول من القانون رقم 25 المؤرخ في فاتح يوليوز 1965 المتعلق بعملة المنازل، الذي عرف العامل المنزلي بأنه: «كل أجير مرتبط بخدمة المنزل كيفما كانت طريقة أداء أجرته و دوريتها، ومستخدم في الأعمال المنزلية بصفة عادية من طرف مستأجر أو عدة مستأجرين». وعموما يقصد بهم « الأشخاص الذين يقومون بأعمال مادية متصلة بشخص صاحب العمل بوصفه هذا أو بأشخاص ذويه، و عادة تكون هذه الأعمال المادية أعمالا متواضعة» . وعلى غرار تشريعنا المغربي استثنى التشريع المصري بمقتضى المادة الثالثة من قانون العمل المصري هذه الفئة من الأجراء من الخضوع لقانون الشغل . وينبغي التمييز في هذا المقام بين خدم البيوت المتحدث عنهم سالفا وعمال المنازل الذين يخضعون لمراقبة مفتشي الشغل ، والذين يقومون بعمل مأجور داخل منازلهم لصالح المشغل في مؤسسة خاصة دون البحث عن كونهم يشتغلون مباشرة واعتياديا تحت إشراف مشغلهم. ولا عن كون المحل الذي يعملون فيه والمعدات التي يستعملونها ملكا لهم، وهم يشتغلون إما فرادى و إما بمعية مساعد وأحد أزواجهم و أبنائهم غير المأجورين . والسؤال الذي يطرح نفسه باستمرار هو: هل تطبق المحاكم بمناسبة العرض على أنظارها نزاعا يتعلق بخدم البيوت مقتضيات مدونة الشغل، مراعية في ذلك الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لهذه الفئة، أم أنها تبقى وفية لتطبيق نص المادة الرابعة من هذه المدونة التي عملت على تكريس إقصاء هذه الفئة من الخضوع لأحكامها؟ إن القضاء المغربي لم يحد عن الموقف التشريعي، بل زكاه بمجموعة من الأحكام والقرارات القضائية، التي اتفقت جميعها على إبعاد خدم البيوت من الاستفادة من أحكامها متخذا في ذلك تعليلات متنوعة. وهكذا ورد في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء « إن الخادمة المنزلية تعمل في منزل وليس في مؤسسة تجارية أو صناعية أو مهنة حرة، ومن تم فطبيعة البيت أو حرمة المنزل تتنافى مع بعض قانون العمل، التي تقتضي زيارة مفتش الشغل، لمراقبة كيفية و طرق تنفيذ العمل، كما جرى به العمل في مؤسسات أخرى». وجاء في حكم آخر لها: « حيث إن المدعية أكدت في طلبها بأنها كانت تعمل كطباخة ومنظفة بمنزل المدعى عليه وهو ما أكده… وحيث إنه استنادا للمادة 4 من مدونة الشغل، والتي تنص في الفقرة الأولى منها: ” على أنه يحدد قانون خاص شروط التشغيل و الشغل المتعلقة بخدم البيوت التي تربطهم علاقة شغل بصاحب البيت”، لذلك فإن المدعية لا تسري عليها أحكام مدونة الشغل في علاقتها مع المدعى عليه… ». وجاء في حكم آخر للمحكمة الابتدائية بوجدة أنه: « تكون أحكام القانون الاجتماعي غير مطبقة على الواقعة حيث إن الإعفاء من الرسوم القضائية التي تميز الفئة العاملة لا تستفيد منه المدعية… لعدم توافرها على صفة أجيرة، هذا بالإضافة إلى أن مفهوم الطرد مرتبط بشرط أساسي وهو وجود علاقة تعاقدية بين الخادمة والمخدوم، وأن ربة البيت ليست بربة عمل، وأن البيت ليس معملا أو حقلا للعمل بالمفهوم الاقتصادي، كما أن المنزل له حرمته الخاصة تتنافى مع المبادئ القانونية للقانون الاجتماعي، التي تقتضي زيارة مفتش الشغل لمراقبة كيفية و تنفيذ العمل كما يجري في المؤسسات الأخرى» وورد في قرار لمحكمة الاستئناف بالقنيطرة أن: « خدم البيوت و لو في ظل مدونة الشغل لازالوا غير خاضعين لقانون الشغل بما في ذلك القوانين المنظمة للحد الأدنى للأجور، وكذا النظام النموذجي المؤرخ في 23/10/1948، وبذلك فإن كل اتفاق كان كتابيا أو شفويا يبقى هو القانون المنظم للعلاقة بين المدعي والمدعى عليه. ويكون كل أجر متفق عليه هو الملزم لهما، ولا يمكن إلزام المدعى عليه باحترام الحد الأدنى للأجر، ولا يمكن إلزامه بعدم التطبيق في استعمال فسخ عقد الشغل وتبرير الطرد…» . وقد دأبت محكمة النقض المغربية على استبعاد خدم البيوت من الاستفادة من أحكام مدونة الشغل. حيث ورد في قرار لها الآتي نصه: « حيث تعيب الطاعنة على الحكم عدم ارتكازه على أساس ونقصان التعليل، ذلك أن الطاعنة تقدمت بمقال اجتماعي أمام رئيس المحكمة الاجتماعية وهو يبت في قضايا نزاعات الشغل. وأرفقت مقالها بمحضر مفتش الشغل المؤرخ في …. المتضمن لما تستحقه العارضة من حقوق بصفتها خادمة منزل وأنها اعتمدت في مقالها على مقتضيات قانونية كأجيرة تؤدي خدماتها لفائدة مخدومتها في مقابل أجر طبق الفصول 723 وما بعده من قانون العقود والالتزامات. والقرار المطعون فيه لم يشر إلى تقرير مفتش الشغل ولم يعلل كون الطاعنة لم يشملها قانون الشغل… لكن حيث إن خادمات المنازل لسن بعاملات ورش طبق ما ينص عليه الفصل الأول من النظام النموذجي المؤرخ في 23 أكتوبر 1948 حتى يصح إدراجهن ضمن مقتضيات الفصل 754 المحتج به وأن مفهوم عقد الإيجار المنصوص عليه في الفصل 723 المشار إليه يقضي أن يكون مؤجر الخدمة مختصا أو تقنيا أو يثقن عملا ما الشيء الذي لم تتوفر عليه المستخدمات في أشغال المنازل، كما أن مقتضيات الفصل 1248 تطبق على العاملين لدى المؤسسات التجارية، مما تكون معه الوسيلة على غير أساس». وجاء في قرار آخر لها: « إن وضعية المستأنفة كخادمة بمنزل المستأنف عليها لا تجعلها تستفيد من المقتضيات الواردة في قانون الالتزامات والعقود المتعلقة بالالتزامات التعاقدية الناتجة عن عقد الشغل، وكذا الحقوق التي يخولها قانون الشغل لمختلف الأجراء… وأنها باعتبار نوعية عملها ليست لها صفة المطالبة بالتعويضات». ونرى من خلال التعليلات التي أوردها القضاء المغربي على اختلاف مستوياته، أنها جاءت مختلفة ومتنوعة من حيث حيثياتها، إلا أن القاسم المشترك بينها والنتيجة التي توصلت إليها جميعها، هي أن القضاء مصر على إبعاد خدم البيوت من الاستفادة من أحكام مدونة الشغل، في حق فئة ضعيفة يزيد من هونها إبعادها تشريعا وإقصاؤها قضاء من الاستفادة من المقتضيات الواردة في مدونة الشغل. وتجدر الإشارة إلى أن الفقرة الأولى من المادة الرابعة من مدونة الشغل، حينما استثنت خدم البيوت من الخضوع لأحكامها. لم تبين بتفصيل أصناف هذه الفئة من الأجراء الذين يمكن أن تدرجهم في هذه الزمرة. وهو ما يجعلنا نطرح السؤال التالي: هل يدخل السائق والبستاني والحارس ضمن هذه الشريحة؟ في هذا الصدد قضت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء على أن السائق والبستاني والحارس يعتبرون مرتبطون بالعمل المنزلي، وبالتالي فهم لا يخضعون لأحكام مدونة الشغل، جاء في حكمها : « وحيث إن المحكمة بعد دراستها للملف من مذكرات وتصريحات الأطراف والشهود، تبين لها أن المدعي عمله مرتبط بالمنزل كسائق وبستاني، بالإضافة إلى قيامه بأعمال منزلية بإقراره خلال جميع مراحل الدعوى. بالإضافة إلى أنه لم يثبت أنه اشتغل بالشركة، لأن الشاهد الأول صرح بأن المدعي هو الذي أخبره أنه يشتغل كسائق بالشركة، في حين أكد الشاهد أنه يشاهد المدعي يعمل كسائق وبستاني بالمنزل… وحيث إنه بالرجوع إلى المادة الرابعة من مدونة الشغل نجدها نصت صراحة على أن هناك قانون خاص يحدد شروط التشغيل والشغل المتعلقة بخدم البيوت الذين تربطهم علاقة شغل بصاحب البيت، وعليه يتضح من هذه المادة أن المشرع استعمل عبارة خدم البيوت التي وسعت من دائرة خدم البيوت، أي أصبحت لا تقتصر على خادمات البيوت بل تشمل كذلك السائق والبستاني والمربي والطباخ والحارس الخاص، أي كل عمل ينجز ومرتبط بالمنزل، وبذلك يكون المدعي بصفته كسائق وبستاني بمنزل المدخل في الدعوى يدخل ضمن فئة خدم البيوت، الذين لا تطبق عليهم مقتضيات مدونة الشغل، بل يخضعون لعلاقة اتفاقية مع رب البيت في انتظار صدور قانون خاص ينظمهم، وبالتالي فإن المدعي لا حق له في الإخطار والفصل والضرر وفقدان العمل والأقدمية والعطلة السنوية وعدم التصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وشهادة العمل، لأنها من جملة الحقوق التي منحتها مدونة الشغل للأجير سواء المتعلقة بتنفيذ عقد الشغل أو عند فسخ الشغل تعسفيا، لأن المدعي لم تشمله أحكام مدونة الشغل بصريح المادة الرابعة كما سبق بيانه… وحيث تبعا لذلك يتعين التصريح برفض الطلب». وبخصوص طبيعة عمل الحارس المنزلي، فقد ذهبت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في قرار لها على خضوعه لمقتضيات قانون الشغل، جاء في القرار: « حيث إن الأجير المستأنف كان يشتغل كحارس بمنزل المستأنف عليه وبالتالي فهو يسري عليه قانون الشغل» وهو ما تم نقضه من طرف محكمة النقض الذي جاء في قرارها: «…حيث اعتبرت المحكمة أن المطلوب ضده كان يشتغل لدى الطالب كحارس بمنزله ورتبت على ذلك خضوعه لقانون الشغل، والحال أن خدام المنازل لا يطبق عليهم قانون الشغل». وقد كان على هذه المحكمة أن تؤيد قرار محكمة الاستئناف، ما دام أن مكان عمل الحارس المنزلي يكون عادة هو ساحة المنزل ولا علاقة له بحرمته أو خصوصيته ، ومحكمة النقض عندما قضت بغير ذلك تكون قد ساهمت في حرمان هذه الفئة من الاستفادة من مدونة الشغل، وهو ما يؤزم من وضعيتهم التي هي في حد ذاتها جد صعبة. لكن ما هو نوع العمل المعتد به في اعتبار أن أجيرا ما مرتبط بعمل منزلي، أهو العمل الأصلي أم العمل العرضي؟. ذهبت محكمة النقض في قرار حديث لها أن العمل الأصلي للأجير هو المعتبر في تطبيق مدونة الشغل، في حين أن العمل العارض لا يعتد به، و عليه فإن الأجيرة التي قامت عرضا بالخدمة المنزلية في بيت مدير المقاولة لا تعتبر من خادمات المنازل، وإنما تحتفظ بصفتها كأجيرة لدى المقاولة، باعتبار أن عقد شغلها يفرض عليها القيام بعملها كمنظفة داخل أو خارج المقاولة، جاء في القرار : « حيث تبين صحة ما عابته الطاعنة على القرار، ذلك أنه من الثابت من عقد الشغل وشهادة العمل وأوراق أداء الأجور المدلى بها أن الطالبة كانت تعمل لدى المطلوبة منظفة داخل الشركة، وأن قيامها بأشغال المنزل داخل منزل المدير لا ينفي عنها صفة مستخدمة لدى الشركة المطلوبة ما دام عملها الأصلي يكون داخل الشركة، خاصة و أن العقد الرابط بين الطرفين يفرض عليها القيام بعملها داخل أو خارج الشركة، إلا أن المحكمة المطعون في قرارها اعتبرت عملها يدخل في إطار عمل خدم المنازل، واستثنتها من تطبيق مدونة الشغل، مما تكون معه قد بنت قرارها على تعليل فاسد وعرضت قرارها للنقض. وأن حسن سير العدالة يقتضي إحالة القضية على نفس المحكمة». وإذا كان خدم البيوت يعملون في ظروف جد صعبة، بالنظر إلى طبيعة الأعمال التي يقومون بها، والمتصلة اتصالا ماديا بأعمال المنزل، من طبخ وكنس وطهي ولساعات طوال تفوق أربعة عشر إلى ثمانية عشر ساعة في اليوم، وبدون فترات راحة، وبأجور هزيلة لا تصل في أحسن الأحوال إلى الحد الأدنى من الأجر، ودون الحصول على الإجازات المقررة قانونا، وفي غياب أية رعاية اجتماعية قد تذكر، إلى غير ذلك من الأعمال التي تنم عن قهر القائم بها، فإن وضعية هذه الفئة من الأجراء تزداد صعوبة أكثر مع تشريع الشغل الذي أقصاهم من أحكامه، وهي وضعية تعرف تفاقما مع القضاء الذي كرس النص بحرفيته ودون تليينه ليرقى بتطوير علاقات شغل هذه الطبقة من الأجراء. لكن المشرع في الفقرة الأولى من المادة الرابعة من مدونة الشغل وعد بأن يحدد قانونا خاصا بشروط التشغيل والشغل المتعلقة بخدم المنازل. وقد صادق مجلس الحكومة يوم الأربعاء 12 أكتوبر 2011 على مشروع هذا القانون، والذي يحمل رقم 06-34، والمتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل الخاصة بالعمال المنزليين. فهل استجاب هذا المشروع لحلم هذه الشريحة من الأجراء التي تعاني الكثير، ومنحها ما كانت تتطلعه من حقوق تتمتع بها كسائر الأجراء، أم عمل على تفاقم وضعيتها جد المزرية؟ ذلك ما سنحاول إيضاحه في المطلب الثاني من هذا المبحث. المطلب الثاني: وضعية خدم البيوت في إطار مشروع القانون المتعلق بهم. لقد تم إعداد مشروع القانون المتعلق بخدم البيوت في ضوء تطور القانون الدولي للشغل، الذي يتجسد في مصادقة منظمة العمل الدولية خلال دورتها المائة على اتفاقية وتوصية دوليتين للشغل حول «العمل اللائق للعمال المنزليين». ويندرج وضع هذا المشروع في إطار توفير الحماية القانونية لخدم البيوت، وتحسين ظروف عملهم، وصون كرامتهم، ودرء أي استغلال قد يطالهم، تكريسا للحقوق التي تضمنتها الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، كالاتفاقية الأممية لسنة 1989 حول حماية حقوق الطفل، واتفاقية العمل الدولية رقم 138 حول السن الدنيا للقبول في العمل، والاتفاقية رقم 182 حول محاربة أسوأ أشكال عمل الأطفال . وغيرها من الاتفاقيات التي تروم كلها إلى ضمان حماية لخدم البيوت، سواء كانوا قاصرين أو راشدين. ويأتي هذا المشروع استجابة كذلك لتأهيل التشريع المغربي للاندماج مع مقتضيات الدستور الجديد، وملاءمته مع مضامين الاتفاقية والتوصية الدوليتين السالفتي الذكر والمتعلقتين بالعمل اللائق للعمال المنزليين. وباستقراء هذا المشروع نورد مجموعة من الملاحظات: الملاحظة الأولى : إذا كانت مسألة إعطاء التعاريف هي مسألة فقهية محضة، فإن المشرع قد يخرج عن هذه العادة، ويتصدى بإعطاء التعاريف في مسائل يرى بأنها من الأهمية بمكان. وفعلا، فقد تعرض في المادة الأولى من هذا المشروع لتحديد المراد بالعامل المنزلي ، والمقصود بالعامل الذي لا يعتبر منزليا وبتحديد مفهوم صاحب البيت . وبالموازاة مع ذلك حدد مشتملات الأشغال المرتبطة بالبيت من تنظيف وطبخ وتربية أطفال أو العناية بفرد من أفراد البيت بسبب سنه أو عجزه أو مرضه أو كونه من ذوي الاحتياجات الخاصة أو سياقة السيارة لأغراض البيت أو إنجاز أعمال البستنة أو حراسة البيت. مع العلم أن هذه الأعمال يمكن تغييرها أو تتميمها بنص تنظيمي . الملاحظة الثانية : لقد عمل المشروع على تحديد شروط تشغيل خدم البيوت، وهذا يتم بمقتضى تصريح يعده صاحب البيت وفق نموذج يحدد هو الآخر بنص تنظيمي، ويكون موقعا من قبل صاحب البيت والعامل المنزلي، حيث يراعى عند التوقيع الشروط المتعلقة بالأهلية كما هي منصوص عليها في قانون الالتزامات و العقود، كما يحرر هذا التصريح في ثلاثة نظائر مصادق على صحة إمضائها، يسلم أحدها للعامل المنزلي، ويحتفظ صاحب البيت بواحد منها، بينما يودع الثالث لدى مفتشية الشغل المختصة أو يرسل إليها برسالة مضمونة الوصول مع الإشعار بالتوصل وهذا المقتضى مشابه لما هو منصوص عليه في المادة الخامسة عشر من مدونة الشغل. الملاحظة الثالثة : إن أحكام الوساطة في الاستخدام وتشغيل الأجراء كما هي منصوص عليها في الكتاب الرابع من مدونة الشغل والمؤطرة بالمواد من 475 إلى 529، هي المطبقة أيضا على خدم البيوت الأجانب بصريح المادة الرابعة من المشروع. كما أن أحكام المادة 143 من نفس المدونة هي الواجبة التطبيق على هذه الفئة من الأجراء لمنع تشغيلهم في الأشغال التي تشكل ضررا بصحتهم . وهذا يدل على إحالة المشروع على نصوص مضمنة بمدونة الشغل. الملاحظة الرابعة: لقد حددت المواد من 7 إلى 10 من المشروع المندرجة في إطار الباب الثالث من هذا الأخير، الحقوق التي يستفيد منها خدم البيوت، من راحة أسبوعية وعطلة سنوية مؤدى عنها وأيام الأعياد الوطنية والدينية وأيام العطل، وذلك وفق شروط تكاد تكون مطابقة لما هو منصوص عليه في المدونة. الملاحظة الخامسة : لقد نظم المشرع الأجر الذي يمكن أن يتقاضاه خدم البيوت، وهو يشمل المبلغ النقدي ومكملات أخرى مادية أو عينية محددا في الوقت ذاته الأجرة الدنيا للمبلغ النقدي المدفوع له في 50% من الحد الأدنى للأجر المطبق في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة . الملاحظة السادسة: لقد رتب المشروع على فصل خدم البيوت تعسفيا تعويضا لهم عن هذا الفصل وهو نفسه المنصوص عليه في المادة 53 من المدونة. الملاحظة السابعة : لقد أوكل المشروع مراقبة تطبيق أحكامه للأعوان المكلفين بتفتيش الشغل، من خلال تلقيهم الشكايات التي يتقدم بها خدم البيوت ضد أصحاب البيوت، حيث يستدعي مفتش الشغل الطرفين للتحقق من مدى تطبيق هذا القانون، ثم يقوم بإجراء محاولات التصالح بين الطرفين، وعند تعذر ذلك، فإنه يحرر محضرا في الموضوع . الملاحظة الثامنة : لقد كفل المشرع تطبيق أحكام هذا المشروع بمجموعة من العقوبات الزجرية، تتراوح بين العقوبات المالية التي قد لا تتجاوز ثلاثين ألف درهم، والعقوبات الحبسية والتي لا تكون إلا في حالة العود بالنسبة للحالات المنصوص عليها في المادة الرابعة عشر من المشروع، وفي الاختيار بينها وبين الغرامة التي تضاعف. الملاحظة التاسعة : إن مسألة تقييد المشروع استخدام خدم بيوت تتراوح أعمارهم ما بين خمسة عشر وثمانية عشر سنة بترخيص من ولي أمرهم يطرح صعوبة في التطبيق، من منطلق أن هؤلاء الأولياء هم الذين يدفعون بأبنائهم إلى الاشتغال في البيوت. الملاحظة العاشرة : إن المشروع اعترته مجموعة من النقائص، نذكر منها على سبيل المثال: – عدم منحه للخادم في البيت المفصول من عمله بصفة تعسفية التعويض عن الإخطار والضرر. – عدم إلزامه المشغل بتوفير تأمين صحي للخادم في البيت وضرورة إلحاقه من طرف الأول بالمدرسة، إذا كان ما يزال في مرحلة التمدرس مع إحاطته بالحماية الاجتماعية وحمايته من شتى أنواع العنف الذي قد يمارس عليه من طرف صاحب المنزل. وفي الختام نأمل من مشرعنا المغربي أن يستعجل في إخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود، مع الأخذ بعين الاعتبار مقترحات الفقه المغربي في هذا الشأن، تنقيحا له من النواقص العالقة به، والتي باتت ظاهرة للعيان، ومواكبة للاتفاقية والتوصية الدوليتين المتعلقتين بالعمل اللائق لهذه الشريحة، واستجابة لأماني ومتمنيات هؤلاء الخدم والخادمات، الذين باتوا يعيشون على أمل تنظيمهم بقانون يضمن لهم الحد الأدنى من العيش الكريم.

مشاركة