بقلم ذ مصطفى أمجكال
عندما نجلس مع انفسنا جلسة مكاشفة و مصارحة صادقة ، صادقة في التوصيف و صادقة في البحث عن الحلول ، لابد أن نقف على حقيقة صادمة و خطيرة تصرخ بصوت عال كله حزن و ألم : إننا نسير نحو الانحطاط فمتى نستفيق ؟
لا ينكر أي عاقل أن في الأمة غيورين و مفكرين ومصلحين و من يحمل الهم و يفكر في المستقبل .. لكن هذا وبكل صدق و ألم لا يعني أن الأمة تسير نحو الأفضل و الأحسن . المؤشرات اليوم تخبرنا بما لا مجال للشك فيه أننا نسير في دروب ضيقة و خانقة . إننا نسير في متاهات لا ندري إلى أي الأودية تنتهي .
إن الأمة اليوم تعيش زمن الوهن ، تعيس زمن التداعي من الأعداء ، و أول أعداء الأمة بنو جلدتها الذين يصرون على ذبحها بالليل و النهار ، بالجهل و السذاجة و التشدد و الإرهاب و الفهم الخاطئ والبعد عن المقاصد والغايات و الاكتفاء بالجزئيات بدل الكليات . و لكل منا أن يسأل ثم يجيب دون تسرع : كم عدد مفكري الأمة و علمائها الصادقون الواعون بسر الأزمة و المخلصون في إيجاد الحل لها ؟ فمثلا في مجال العلوم الحقة ، كم عدد الدراسات و البحوث التي يقدمها العرب و المسلمون في مجالات الطبيعة و الفيزياء و الرياضيات و البيولوجية مساهمة منهم في تقدم العلم و الحضارة ؟ كم عدد النظريات العلمية التي ساهم بها علمائنا العرب و المسلمون في مجالات السياسة و الاقتصاد ؟ للأسف الشديد لا شيء إلا نزرا يسيرا و في الغالب مكرر و مجتر بلا أصالة و لا إبداع .
إن الأمة اليوم تعيش بين ألم التمزق و الحروب الذهبية و الطائفية التي أودت ولا تزال بأرواح الألاف و بين الخوف من نفض غبار الماضي الذي لا تزال تقدس أيامه الخوالي و تجتر مباحثه و أفكاره و أطيافه و خيالاته . إن ما نعرفه اليوم من المحاولات الفردية الواعدة و الجميلة تبقى نقطة مضيئة نعم ، لكنها ضئيلة جدا في بحر الهوان الذي صرنا نعيشه .
نحن اليوم في أزمة ،أخلاقيا نحن في أزمة، منهجيا نحن في أزمة ، فكريا نحن في أزمة ، اقتصاديا أيضا نحن في أزمة ، أما على المستوى السياسي فنحن في أزمات و أزمات ، الشيء الوحيد الذي لا نزال نتقنه و نعيش عليه هو انتظار المخلص و الفارس الذي يملأ الأرض عدلا بعد أن ملأت ظلما و جورا …. و هيهات هيهات ، ولآت حين مناص .
قد يكون الجزء الأهم من الحل اليوم هو الحديث المتواصل عن أزمتنا و التحذير مما صرنا إليه و ليس السكوت و الصمت ، صمتنا يعني أشياء كثيرة بالنسبة لكيان الأمة : إما أنها أنانية مبطنة تقتضي التفرج على البؤس من منطلق أننا على خير و الآخر في شر مستطير ، أو أننا عاجزون عن التحدث بصدق و كشف الخلل من منطلق نفس السؤال الذي يطرحه البعض منا بذهول : لماذا نتحدث عن الشيء إذا لم نجد له حلولا ؟
الكل يعلم أن الحلول لا يجدها شخص واحد ، بل تتضافر جهود الجماعة ، و الواحد منا يؤدي دوره في هذا الجهد الجماعي ، أحدنا يكشف الخلل و يعتبر راصدا ، و الآخر يناقش و يعتبر محللا ، و الثالث يستنتج و يتقرح و يعتبر منظرا أو أو .. لكن لا يمكن للسكوت أن يعطي أي من المراحل الثلاث إلا شيئا واحدا فقط : تعميق الجراح و تزكية الوضع كالسنة التقريرية بالضبط ، لا تعقيب و لا إقرار ، لكن مجرد السكوت يكفي لتقرير الحكم ..
كثيرا ما أتساءل بحرقة كبيرة: ماذا جنينا سنوات طويلة من الحديث عن المفاخر و البطولات و الأمجاد ؟؟ و ماذا جنينا بحديثنا عن الأمل و هو شعور عاطفي لا يرافقه العمل ؟؟ الم نجد أنفسنا في مشاكل و ويلات ؟؟ الجواب وبكل موضوعية: إننا ركزنا على نقاط القوة التي توهمناها نقاط قوة ، في حين تركنا نقاط ضعفنا تنخر الجسد حتى ظهرت فيه كل الآفات و الأمراض ، لا باس أن نجلد ذواتنا في مرحلة من المراحل كي نستفيق و ننفض الغبار على عيوننا و نرى بعين الواقع لا بعين الأمل الغير ممنهج ، يكفينا شعارات براقة : النصر قادم و الأمة بخير ، و الخلافة قادمة و الوعد المنتظر ,,,, فقد قال النبي صلى الله عليه و سلم { لا يأتي يوم إلا و الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم } إنه يقصد الشر الذي نعيشه من فساد الأخلاق و المناهج ، غياب العلم و ندرة الحلول ، نيام و غثاء كغثاء السيل .
لا يزعجكم هذا النوع من الخطاب القاسي شيئا ما ، فنحن في حاجة ماسة جدا إلى قول الحق و إحداث الصفعات التي توقظ من تحنط في قبور الجهل و الانحطاط، إنه أسلوب اللّطمة التي أصلها القرآن الكريم عندما يقحم في خطابه عن النصر القصة و العبرة و يبين عاقبة المخالفين ..