بقلم: نورالدين بوصباع
لم تشهد الولايات المتحدة الأمريكية عبر تاريخها ما يحدث الآن من انقسام حاد، واستقطاب شعبوي خطير بين فئات وأعراق المجتمع الأمريكي المختلط والمتعدد الأعراق والذي يمكن استقراءه في عنوانين عريضين هما أولا النسقية العنصرية التي ما فتئ يعرفها المجتمع الأمريكي عبر تاريخه الطويل والتي لم تنفع معها محاولات ابراهام لنكولن ولا نضالات حركات الحقوق المدنية عبر رموزها التاريخيين مارتن لوثر كينغ و لا مالكوم إكس ولا جيسي جاكسون ولا جون لويس ولا لويس فرخان وغيرهم من زعماء الحركات المدنية في طي و تبديد هذه النسقية التي بقيت تجلياتها وانعكاساتها وممارساتها جلية في واقع أمريكا من خلال التمييز في التعليم والصحة ولعل انعكاسات وباء كورونا والنسبة المهولة من الوفيات من السود النقطة التي أفاضت الكأس وضربت بعمق مقولة أمريكا زعيمة العالم الحر وفضحت النظام الأمريكي في يتعلق بمسالة المساواة بين مواطنيه، وثانيا بروز اليمين المتطرف والتيارات العنصرية اليمينية المؤمنة بتفوق البيض والقائم على أطروحة أن الجنس الأبيض يتمتع بصفات وراثية سامية وأنه من يحق لهم السيادة على العالم وان يستفيدوا من معظم الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ثم تأتي بعدهم باقي الأجناس الأخرى، ولعل حركة كوكلوكس كلان والحزب النازي الأمريكي خير مثال على هذا المد اليميني الذي يستشري في أمريكا.
وعلى هذا النحو، ففي ظل هذا الاستقطاب الشعبوي الحاد الذي تعرفه أمريكا اليوم والذي تجلى بشكل واضح في ترجل الرئيس ترامب إلى الكنيسة ورفعه للإنجيل أمام المتظاهرين، فهذا تعبيرعن رؤية تحبل بكثير من الدلالات السوسيو سياسية عنوانها تأكيد نظرية صراع الحضارات التي نظر لها صامويل فيليبس هنتنجتون، وأن الصراع في عمقه صراع حضاري بين مجموع المؤمنين بالإنجيل وهم الإنجيليون وغيرهم من باقي الأجناس الأخرى التي يجب ان تبقى دون مرتبة البيض.
منطق السياسة الذي غاب عن الرئيس ترامب في حلحلة مشكلة عنف الشرطة ضد السود واللجوء إلى أسلوب التهديد و أسلوب تجييش العواطف الدينية هو انعكاس لما أصبح يسم السياسة الأمريكية من تطرف يميني بدأت إرهاصاته مع المحافظين الجدد أثنا ء حكم جورج بوش، وازدادت حدة مع وصول ترامب غلى سدة الحكم بعد انتخابات عسيرة عرفتها الولايات المتحدة الأمريكية.
