الرئيسية آراء وأقلام هل في المغرب إرهاب ؟؟!!

هل في المغرب إرهاب ؟؟!!

IMG 20181222 WA0008.jpg
كتبه كتب في 21 ديسمبر، 2018 - 1:45 مساءً

جريدة صوت العدالة – الاستاذ خالد شخمان

 

يبدو أنه لا مناص من التأكيد على أن “الارهاب” في المغرب لم يكن في يوم من الايام ظاهرة عامة، لأنه كان معزولا وسيبقى معزولا… فالذي واجه هذا العنف البشع -في تقديري- ليس هو المقاربات الامنية أو القانونية المتخذة من قبل الدولة ( مع عدم انكار دورها في التصدي لإرهاصاته)، ولا ما أحدثه تاهيل الحقل الديني من توحيد للرؤية وما رافقها من توحيد للفتوى وكذا للخطاب الديني.. بل ان الذي واجه هذا الزيغ المفهومي والسلوكي الخطير هو مناعة المجتمع المغربي الذي راكم -رغم التبديد الذي تعرض له جراء احتكاكه المباشر بالاستعمار العسكري أو ما حيك ضده ب “التسميم الفكري” الممنهج- كثيرا من التقاليد والأعراف المنضبطة للتوحيد بما هو فضاء فكري يستظل بظله كل الناس على اختلاف معتقداتهم واجناسهم، إذ كان ديدن الناس أن يَصِلوا الحياة الدنيا بالحياة الآخرة: تراحما مع الشجر والحجر والحيوان والبشر.. فكانوا سباقين لوقف (من الوقف) العقارات والمنقولات وثمارها على أهل الاديان الاخرى من يهود ونصارى..حيث يذكر مثلا، ان جامع القرويين بفاس كان مفتوحا في وجه القسيسين والرهبان يدرسون فيه وينقلون علومه الى بلدانهم لكونها همت، إضافة الى التعبد المجرد، باقي العلوم كالطب والفلك واللغة والاداب وغيرها… كما كان الناس بفاس ايضا – دونما اتكال على الدولة ومؤسساتها- يفكرون حتى في الحيوانات المصابة والمريضة، حين شيدوا لها مستشفيات خاصة، داووا فيها اللقائق وأنواعا أخرى من الطيور .. وقد أحدث الناس في مراكش -أنفسهم- صندوقا ماليا خاصا يدفعون منه رواتب “موظفين” مهمتهم، الوحيدة، الوقوف عند ابواب المستشفيات لقص النكت للمرضى ترويحا على نفسياتهم. كما يذكر المغاربة قبل الاستعمار كيف كانت أعيادهم مناسبة لتبادل الهدايا بين المسلمين واليهود دونما شوائب تذكر.. اللهم إلا بعض الحوادث التي شكلت استثناءً لا يلتفت اليه اصلا.
فالتراحم داخل المجتمع المغربي المسلم لم يكن ينظر الى الوان الناس او عقائدهم، لأن احسان المسلمين لغير المسلمين كان منضبطا لعقيدة دينية مستنبطة من هَمِّ الاستخلاف في هذا الكون المستأمنين على رعاية بشره مقدار استئمانهم على العناية بشجره وحجره.. ، كما كان فقه الاحسان مسارعة ومنافسة مقصدها الحق، التناغم مع نصوص الدين القرآنية والحديثية الحاثة على فعل الخيرات، ومنها مثلا قوله تعالى ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا)، على اعتبار ان الاسير كان عدوا “كافرا”.
لهذا فالارهاب يجب ان يدان – وهو مدان بالفعل- شرعا وثقافة اجتماعية وتقليدا سلوكيا.. ليس لان امريكا روجت للمفهوم ووسمته بابعاد سياسية ودينية وقانونية محددة.. بل لان الناس عندنا تعارفوا وتآلفوا على تقديس الحياة، واحياء الناس (كل الناس) والكون: بالحرث والغرس والإثمار وكذا بالموعظة والحكمة الحسنة، وأن ما كان ضد هذا المنهج وهذا النَّظْمِ السلوكي البديع، فهو مستعار من تربة اخرى غير تربتنا أو “محاكاة بلهاء” لارهاب الدول الامبريالية الممارس على المستضعفين في الارض من الناس.
تعازينا لعائلة فقيدتي الانسانية السائحتين الأجنبيتين، ولهذه الامة التي لم تعد تعرف من تاريخها سوى هذا التصارع البغيض بين من يوصفون ب “الحداثيين” وبين يوسمون ب “التراثيين” التقليديين.. بحسبانه تصارعا لا ينظر الى مكامن القوة فينا مثلما يُنَقب في كل شاذ يفرقنا ويستزيد من خلافنا وشقاقنا..فصرنا نتغافل فرادى وجماعات عن أدوارنا -نحن- في توطين قيم التسامح والحب والاختلاف التي جاءتنا من فكرة التوحيد التي علمتنا أن رب الناس وإله الناس وملك الناس هو الموحد لكل الناس لأنه ربهم أجمعين وليس رب “المسلمين” لوحدهم..، قبل ان تُستورد الينا من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي لا تستند الا على ميزان القوى وميزان المصالح الدولية.

مشاركة