الرئيسية آراء وأقلام هاتفك قد يكون تذكرتك إلى السجن!

هاتفك قد يكون تذكرتك إلى السجن!

IMG 1253
كتبه كتب في 23 أغسطس، 2025 - 3:21 صباحًا

بقلم عزيز بنحريميدة

الهاتف المحمول، هذه الأداة الصغيرة التي صارت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، لم يعد مجرد وسيلة لتبادل المكالمات أو متابعة الأخبار والتواصل الاجتماعي، بل تحول إلى “صندوق أسود” يسجل تفاصيل دقيقة من حياة صاحبه، قد تستعمل ضده في أي لحظة. وبقدر ما يقرّب الهاتف بين الناس ويختصر المسافات، فإنه قد يصبح سببًا في فقدان الحرية إذا أسيء استعماله، سواء عن قصد أو عن غير قصد.

القانون المغربي، شأنه شأن القوانين في أغلب الدول، اعتبر الهاتف المحمول وسيلة ارتكاب لجملة من الجرائم، وهو ما جعله في كثير من المحاكمات عنصرًا أساسيا في الإثبات. والملفت أن العديد من القضايا تبدأ بخطأ بسيط لا يقدره صاحبه، ليتحول في النهاية إلى متابعة قضائية.

مكالمة هاتفية عابرة قد تغيّر مجرى حياة إنسان، فإذا تضمنت تهديدًا أو وعيدًا، فهي جريمة معاقب عليها. وإذا حملت وعدًا كاذبًا بغرض الاستيلاء على أموال أو معطيات شخصية، فهي نصب واحتيال. بل إن تسجيل مكالمة ونشرها دون إذن قضائي يدخل في إطار الاعتداء على الحياة الخاصة، وقد يجر بدوره المتابع إلى السجن.

التدوينات على منصات التواصل الاجتماعي المرتبطة بالهاتف المحمول هي الأخرى فخاخ صامتة. فكثير من المدونين انتهى بهم الأمر أمام القضاء بسبب تدوينة كتبت في لحظة غضب أو تعليق ساخر على شخصية عامة أو مسؤول. القانون لا يرحم هنا، فالاتهامات بالسب والقذف أو نشر أخبار زائفة كلها جرائم منصوص على عقوبتها. وحتى الصور، التي يظن البعض أنها مجرد وسيلة للتوثيق، قد تكون خطيرة إذا مست خصوصيات الآخرين أو تضمنت مشاهد اعتبرت مسيئة للأخلاق أو للنظام العام.

الهاتف المحمول تحول أيضًا إلى مستودع للمعطيات الشخصية، من صور وأرقام حسابات ورسائل خاصة ووثائق رسمية. وهنا يكمن الخطر الأكبر، إذ قد يؤدي استعمال هذه البيانات في غير محلها إلى تهم ثقيلة تتعلق بانتهاك سرية المعطيات الشخصية أو التشهير أو الابتزاز. القانون المغربي، منذ دخول القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية حيز التنفيذ، أصبح صارمًا في هذا المجال، حيث يعاقب كل من يجمع أو يستغل أو ينشر معطيات شخصية دون موافقة أصحابها.

الجرائم المعلوماتية التي ترتكب عبر الهاتف المحمول تتوسع يومًا بعد يوم. فالنصب عبر الرسائل النصية أو عبر تطبيقات المراسلة بات ظاهرة متنامية، والترويج لمراهنات وقمار غير مرخص أضحى من أبرز أسباب المتابعات، إلى جانب تحويل الأموال بطرق غير قانونية أو انتحال صفات رسمية أو مهنية. وكلها جرائم تعتبرها النيابة العامة خطيرة نظرًا لانتشارها الواسع وسهولة ارتكابها بلمسة إصبع، وعقوباتها قد تصل إلى سنوات طويلة من السجن وغرامات ثقيلة.

المفارقة أن الكثير من المواطنين لا يدركون أن الهواتف الذكية تحولت إلى “أدلة مادية” بامتياز. فالصور والرسائل والمكالمات والبيانات الممخزنة فيها يتم استخراجها من طرف الشرطة القضائية وتوثيقها كأدلة رسمية أمام القضاء. بل إن الهواتف صارت في كثير من الأحيان شاهدة على أصحابها، بما تحمله من مواقع GPS وسجلات محادثات واتصالات.

إساءة استعمال الهاتف لا تنحصر فقط في الجانب الجنائي، بل قد تترتب عنها أيضًا متابعات مدنية وتعويضات مالية باهظة، كما يحدث في قضايا التشهير أو انتهاك الخصوصية. فالقضاء المغربي ألزم في أكثر من مناسبة أشخاصًا بأداء تعويضات مالية لفائدة ضحايا تدوينات أو صور نُشرت على الإنترنت عبر الهاتف المحمول.

الهاتف إذن لم يعد ملكية شخصية محضة، بل صار مسؤولية قانونية وأخلاقية. استعماله يحتاج إلى وعي، وإلى إدراك أن كل كلمة مكتوبة أو صورة منشورة أو مكالمة مسجلة يمكن أن تتحول إلى ملف قضائي يطارد صاحبه. ولذلك فإن الوعي القانوني أصبح ضرورة ملحة، ليس فقط لحماية الحرية الشخصية، ولكن أيضًا لحماية المجتمع من الجرائم التي تنمو في الظل الإلكتروني.

قد يبدو الهاتف المحمول صديقًا وفيًا يرافق صاحبه في كل تفاصيل حياته، لكنه في الحقيقة قد يكون أيضًا “شاهدًا خطيرًا” يورطه عند أول خطأ. إنه سلاح ذو حدين: إما وسيلة للتطور والتقارب والمعرفة، أو قيد إلكتروني يقود مباشرة إلى الزنزانة

مشاركة